بغداد
بعد تمكن العراق من احتساب سكانه المتبقين من آخر تعداد أجراه والناجين من محطات الموت التي مر بها منذ 37 عاما والتي أظهرت تجاوزهم الـ45 مليون نسمة نصفهم نساء و ثلثهم أطفال، تعتزم وزارة التخطيط العراقية، اليوم الثلاثاء، إحصاء عراقيي الخارج في خطوة جديدة من مراحل التعداد السكاني.
إذ قال المتحدث الرسمي باسم وزارة التخطيط العراقية عبد الزهرة الهنداوي في تصريح تابعته “العالم الجديد”، إن “عملية التعداد مستمرة في عموم المحافظات العراقية وتسير بصورة جيدة وهي في الربع الأول من المرحلة الثالثة من إتمام المعلومات الخاصة بالأشخاص والعوائل، حيث أن عملية التسجيل مستمرة من قبل العدادين”.
ولفت إلى أن “وزارة التخطيط بغضون اسبوعين سوف تستكمل عملية التعداد بصورة كاملة وهي ضمن المخطط الذي وضعته الوزارة لاكمال عملية التعداد بصورة نهائية”.
وعن عملية حصر اعداد العراقيين في خارج البلاد أكد الهنداوي أن “العراقيين الذين هم في بعثات دراسية او للعلاج جرى تسجيلهم ضمن عوائلهم وبعد انتهاء التعداد السكاني في عموم العراق وإتمام قاعدة البيانات لدى وزارة التخطيط العراقية لعموم المحافظات عن التعداد سوف نباشر عملية إعداد خطة لحصر العراقيين في الخارج”.
وأضاف أن “النجاح الكبير للتعداد السكاني في عموم المحافظات يجعل العراق عمل احصاء العراقيين في الخارج سهل حيث سنقوم بتوزيع الأجهزة الخاصة بالإحصاء الى السفارات العراقية في عموم الدول ونباشر لحصر الأعداد وفق قاعدة معلومات تتطابق مع إحصاء المحافظات، وعندها سيكون لدى الوزارة إعداد متكاملة للسكان في الداخل والخارج”.
وأظهرت نتائج التعداد السكاني تراجعا في معدلات النمو السنوية للسكان، فقد كانت نسبة النمو قبل 10 سنوات 3.3 وانخفضت قبل خمس سنوات إلى 2.5 واليوم أظهر التعداد أن نسبة النمو تصل إلى 2.3، إلا أن خبراء وأكاديميين أشاروا إلى أن الزيادة السكانية لا تزال مستمرة وهو ما يضع الدولة أمام عجز كبير، لاسيما من ناحية فرص العمل، محذرين من أن الهبة الديموغرافية (عدد الشباب العاملين) ستتحوّل إلى “نقمة”.
وأظهرت نتائج التعداد، أن نسبة مواطني إقليم كردستان تبلغ 14 بالمئة من مجموع سكان البلد، الذي بلغ أكثر من 45 مليونا، بعد أن كانت تقديرات الإقليم تشير إلى أن نسبة سكان الإقليم أكثر من 16 بالمئة، وعلى أساسها كان يطالب بالحصول على نسبة 17 بالمئة من الموازنة الاتحادية، وذلك منذ عام 2015، فضلا عن منحه 46 مقعدا في البرلمان الاتحادي، الأمر الذي قد ينعكس سلبا على العلاقة بين الإقليم والمركز.
وكان وزير التخطيط في حكومة إقليم كردستان دارا رشيد، أعلن نتائج التعداد السكاني في الإقليم، وفيها أكد أن عدد السكان بلغ 6 ملايين و370 ألف نسمة، وأن عدد الذكور بلغ 3 ملايين و200 ألف، بنسبة 50،24 بالمئة، وعدد الإناث 3 ملايين و170 ألفا، بنسبة 49،76 بالمئة.
فيما عقد مجلس وزراء إقليم كردستان، في 27 نوفمبر تشرين الثاني الماضي، وفيه أعرب المجلس عن قلقه إزاء عدم احتساب مئات الآلاف من سكان المناطق الحدودية لإقليم كردستان، بما في ذلك شيخان، وزلكان، وكلكجي، وناحية فايدة، وجزء من قضاء سيميل، وأقضية بردرش، وخبات، ومخمور، داعيا الحكومة الاتحادية إلى تصحيح هذا الإجراء وضمان تسجيل هؤلاء الأفراد ضمن مناطقهم الصحيحة المتمثلة بإقليم كردستان.
ووجه مجلس الوزراء سكرتاريته بإرسال كتاب إلى مجلس الوزراء الاتحادي، يتضمن المقترحات التي أقرها الاجتماع، بهدف اعتماد النسبة الجديدة لسكان إقليم كردستان كأساس لتحديد حصة الإقليم من جميع مستحقاته الدستورية في الحكومة الاتحادية اعتبارا من الآن، وللسنة المالية 2025.
الجدير بالذكر أن إقليم كردستان، طالب بتأجيل التعداد السكاني، لحين حسم مسألة المادة 140 من الدستور، الخاصة بالمناطق المتنازع عليها، وبتطبيع وتهيئة الأوضاع في تلك المناطق وإيجاد حل لسكانها.
وأعلن رئيس الحكومة، محمد شياع السوداني، في 25 نوفمبر تشرين الثاني الماضي، أن عدد سكان العراق بلغ 45 مليونا و407 آلاف و895 نسمة، وفق عملية التعداد العام للسكان، التي جرت في البلاد يومي 20 و21 من شهر تشرين الثاني نوفمبر ، مبينا أن “نسبة السكان دون سن العمل أقل من 15 سنة 36.1 بالمئة”، مشيرا إلى أن “نسبة السكان فوق سن العمل 65 فأكثر 3.7 بالمئة”.
ومن المقرر أن تستمر عملية التعداد لغاية العاشر من كانون الأول ديسمبر الجاري، لاستكمال حصر مستويات المعيشة والسكن، والتعليم، والصحة، وغيرها.
وأشرت عدد من الجهات السياسية، وجود خروق بعملية التعداد السكاني في محافظة كركوك، كما تناقل ناشطون على مواقع التواصل الإجتماعي بيانات للتعداد السكاني في عدد من مناطق البلاد رغم تأكيدات الحكومة بأنها مؤمنة وغير قابلة للتسريب، أظهر وجود أعداد مبالغة للأشخاص تصل إلى أكثر من 90 فردا ضمن المنزل الواحد، الأمر الذي اثار الشك حول نزاهة التعداد في رسم صورة حقيقية نحو التنمية المستدامة والتخطيط الاستراتيجي المبني على بيانات دقيقة.
ويختلف التعداد السكاني الذي جرى في 20 و21 نوفمبر تشرين الأول الماضي، عن سابقيه في كونه لا يحتوي على حقلي القومية والمذهب وينص فقط على الديانة، كا اثار غياب القومية في استمارة التعداد الى جانب عمليات التغيير الديمغرافي، الذي شهدته المناطق المتنازع عليها حسب المادة 140 من الدستور العراقي، مخاوف الكرد والتركمان من أن يؤدي الى ترسيخ هذه التغييرات، خاصة أن غالبية سكان المناطق المتنازع عليها مثل سنجار غرب الموصل مازالوا نازحين في المخيمات.
وأجرى العراق آخر تعداد سكاني عام 1987، الذي اشتركت فيه جميع المحافظات، تبعه إحصاء عام 1997 الذي أجري دون مشاركة محافظات إقليم كردستان.
وكان من المفترض إجراء التعداد السكاني في العام 2007 إلا أن الوضع الأمني في حينها وانتشار التنظيمات الإرهابية والعمليات الانتحارية والهجمات المسلحة التي كانت تستهدف القوات الأمنية والموظفين الحكوميين والمواطنين، وتم إرجاؤه إلى العام 2009، ثم تأجل عشر سنوات دفعة واحدة، وفي 2019 تم إرجاؤه أيضا.
وبحسب صندوق الأمم المتحدة للسكان في العراق، فإن استعدادات تنفيذ التعداد بدأت منذ العام 2019، وكان من المؤمل أن يُنفذ في العام 2020، لكن جرى تأجيله بسبب جائحة كورونا، بعدما كان مستحيلا على المنظمين تكليف 150 ألف باحث ميداني بالتجول على المنازل في هذه الظروف، لذا أُرغمت وزارة التخطيط على تأجيل المشروع.
وفي العام 2022، أعلنت الحكومة العراقية السابقة نيتها تنفيذ التعداد مجددا، وهو ما لم يحدث أيضا بسبب الميزانية الكبيرة التي احتاجها الجهاز المركزي للإحصاء وتبلغ 120 مليون دولار، لم تتمكن الحكومة من توفيرها حينها.
وظلت البلاد طيلة السنوات الماضية مُعتمدة على الأرقام الإحصائية التقريبية الصادرة عن مؤسسات ومراكز أبحاث غير رسمية تُعنى بهذا الشأن، قبل أن تصدر تقديرات وزارة التخطيط في عام 2022 بأن عدد سكان العراق بلغ أكثر من 42 مليون نسمة.
وتأجل التعداد بسبب مخاوف من تسييسه، وعارضته جماعات عرقية في المناطق المتنازع عليها مثل مدينة كركوك التي يسكنها الكرد والعرب والتركمان وتضم حقولا نفطية كبرى، لأنه قد يكشف عن تركيبة سكانية من شأنها أن تقضي على طموحاتها السياسية.