بغداد ـ «القدس العربي»: في الوقت الذي تستغل قوى وشخصيات سياسية “شيعية” الأزمة السورية، للتحشيد نحو تعامل عسكري عراقي سواء من قبل القوات النظامية أو الفصائل، في خطوة تتماهى مع التوجّه الإيراني من التطورات السورية، يركّز الموقف الرسمي العراقي، على الحل الدبلوماسي، والنأي بالعراق عن حربٍ إقليمية يراد له الانزلاق في أتونها.
سياسيون موالون للفصائل، ركّزوا في تصريحاتهم منذ اندلاع الأزمة وفرض قوات المعارضة السورية سيطرتها على أرياف حلب وحماة وإدلب، على وجوب التدخل العسكري العراقي في عمّق الأراضي السورية، بهدف منع تحليل محتمل لزحف الفصائل السورية نحو الأراضي العراقية، وحماية “المقدسات” الشيعية في سوريا أيضاً.
آخر مواقف في هذا الشأن جاء على لسان زعيم ائتلاف “دولة القانون” نوري المالكي، تبنىّ فيه موقف الفصائل الشيعية في المشاركة في أي عمليات عسكرية “دفاعاً عن المسلمين والإسلام”.
وقال في تجمّع عشائري بمحافظة النجف المقدسة لدى الشيعة، إن “العراق مرّ بعدة أزمات، ومنها حينما اتفق العالم عليه من خلال الإرهاب وعصابات داعش الإرهابية، لكننا استطعنا الحفاظ على هذه الأرض بتجربة ناجحة”، مبيناً أن “المجرم الجولاني الذي يقوم بتجربة جديدة من الإرهاب دعا إلى عدم دخول الحشد إلى سوريا، لكننا لسنا على الحياد وسنقاتل في أي مكان دفاعاً عن الإسلام والمسلمين”.
وأشار الى أن “الأحداث في سوريا ما هي إلا بداية لمشروع جديد، وعلينا أن نحمي العراق من الخلايا النائمة في أي مكان من خلال الوحدة الوطنية، لأن الشعب العراقي كله وقف مع حماية البلد من أي مشروع إرهابي قد يضر بالعراق”.
ولفت إلى أن “جيشنا وحشدنا وجهاز مكافحة الإرهاب وأبناء العشائر لديهم القدرة على حماية العراق، ونحن ننتمي إلى مسيرة الشهداء الأبرار، وهم قاعدة لقوتنا، ولن نخون الدماء التي سألت من أجل الوطن”.
ويتناغم موقف المالكي مع تصريحات متعددة لنواب شيعة ينتمون “للإطار” أيضاً، داعمة لتدخل الفصائل العراقية عسكرياً في سوريا، التي لم يثبّت حتى الآن زجّها مصلحين إضافيين إلى العمّق السوري.
موقف زعيم التيار الصدري
غير إن موقف زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، الأخير بشأن التعاطي مع الأزمة السورية، واعتباره الملف شأناً داخلياً، يعدّ مغايراً لموقف الفصائل وداعميها.
وكان الصدر قد حثّ على ضرورة عدم تدخل العراق حكومةً وشعباً وكل الجهات والميليشيات والقوات الأمنية في الشأن السوري.
وأضاف في بيان: “نحن ما زلنا على موقفنا من عدم التدخل بالشأن السوري وعدم الوقوف ضد قرارات الشعب فهو المعني الوحيد بتقرير مصيره”.
وأعرب زعيم التيار الصدري عن أمله من الجميع أن “لا ينجر خلف مخططات الثالوث المشؤوم أمريكا وبريطانيا وإسرائيل ومن لف لفها لتدمير الدين ووحدة الصف وبث الفرقة”.
الصدّر حثّ أيضاً على ضرورة “عدم تدخل العراق حكومةً وشعباً وكل الجهات والميليشيات والقوات الأمنية في الشأن السوري كما كان ديدن بعضهم في ما سبق، بل ويجب على الحكومة منعهم من ذلك ومعاقبة كل من يخرق الأمن السلمي والعقائدي في عراقنا الحبيب”.
وسرعان ما لاقت دعوة الصدر تأييداً سياسياً، إذ دعا رئيس تحالف “السيادة” خميس الخنجر، الأطراف السياسية العراقية إلى الأخذ بموقف زعيم “التيار الوطني الشيعي” مقتدى الصدر، الداعي لعدم التدخل في الشأن السوري، مبيناً أن ما صدر عن الأخير “لا يعد غريباً”.
وقال الخنجر في بيان صحافي: “نثمن ونشيد بموقف سماحة السيد مقتدى الصدر الداعي إلى عدم التدخل بالشأن السوري؛ وعدم الوقوف ضد قرارات الشعب في تقرير مصيره؛ وضرورة النأي ببلادنا عن ذلك”.
وأكد أن “هذا الموقف لزعيم التيار الوطني الشيعي لا يعد غريبا عن الصدر”، مبيناً أنه “يُعبر عن خطاب سياسي واع ومدرك لأهمية تغليب المصلحة الوطنية للعراق والعراقيين”.
وأعرب عن أمله “من كل الأطراف السياسية وغيرها أخذ هذه الدعوة على محمل الجد؛ والمبادرة بتبني مواقف مماثلة لها”.
أما السياسي العراقي حامد السيد، فذكر في “تدوينة” له، “نثمن موقف سماحة السيد مقتدى الصدر الذي جاء متناسقاً مع موقفنا في تيار الخط الوطني برفض التدخل بكل أشكاله في شأن سوريا الداخلي”.
ودعا الحكومة العراقية إلى “تحمل مسؤوليتها من خلال تحصين الحدود ومنع استدراج العراق في ساحة الصراع هناك، وتجنب لعبة فرض الإرادات الدولية والإقليمية في المنطقة”.
رسالة الجولاني
يأتي ذلك في أعقاب دعوة زعيم “هيئة تحرير الشام” أبو محمد الجولاني، لرئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، بعدم تدخل بلاده و”الحشد” بالشأن السوري.
وظهر الجولاني في مقطع فيديو وهو يتابع تصريحات السوداني خلال جلسة “مغلقة” في البرلمان العراقي عُقدت نهاية الأسبوع الماضي بناءً على طلبه، قبل أن يوجه رسالته لرئيس الوزراء العراقي قائلاً: “ونحن نستمع إلى كلمة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني رأينا أن هناك الكثير من المخاوف أو الأوهام التي يظن بها البعض من الساسة العراقيين على أن ما يجري في سوريا سيمتد إلى العراق”.
وأضاف: “أنا أقول جازماً بأن هذا الأمر خاطئ 100 في المئة، وكما نجح العراق ونجح السوداني في أن ينأى بنفسه في الحرب بين إيران وبين المنطقة في الآونة الأخيرة، نشد على يديه أيضاً في أن ينأى بالعراق من أن يدخل في اتون حرب جديدة مع ما يجري في سوريا”.
وأعرب الجولاني عن أمله “من الساسة العراقيين وعلى رأسهم محمد شياع السوداني، أن ينأى بالعراق في الدخول في هذه المهاترات، وأن يمنع تدخل الحشد الشعبي العراقي بما يجري في سوريا والوقوف في صف هذا النظام الزائل بإذنه تعالى”.
وتصطدم المساعي الرامية لتدخل عسكري عراقي في عمّق الأراضي السورية، بالموقف الرسمي “الاتحادي” الرامي لإيجاد حلّ دبلوماسي تشترك فيه الدول الإقليمية، يضمن حلاً شاملاً في سوريا يجنّب العراق والمنطقة مزيداً من الارتدادات.
واستضافت العاصمة بغداد، وزراء خارجية إيران وسوريا، لإجراء مباحثات بشأن الملف السوري، واتخاذ “مواقف مشتركة” حيال الأزمة.
وتركّزت لقاءات المسؤولين العراقيين مع الدبلوماسيين الإيراني والسوري، على أهمية إيجاد مخرج دبلوماسي للأزمة، وتجنيب العراق والمنطقة تطوراتها.
ويؤكد وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، إن أمن سوريا متعلق بأمن المنطقة.
وقال في مؤتمر صحافي مشترك عقده مع نظيريه السوري والإيراني في بغداد، إن “الاجتماع بيننا بحث الأوضاع في سوريا بصورة تفصيلية وتبعاته على الدول المجاورة ولاسيما العراق”، مشيرا إلى أن “أمن سوريا متعلق بأمن المنطقة”.
وأضاف: “ندين الهجمات على سوريا والتنظيمات الإرهابية أينما كانت، ونحن كنا في العراق من ضحايا الإرهاب ومحاربيه”، مبينا أن “موقف العراق واضح وأمن العراق مرتبط بأمن سوريا”.
وأكد حسين على “حماية أراضي العراق وحدوده وإبعاده عن أي هجمات إرهابية من خلال القوات المسلحة العراقية بجميع أصنافها”، مردفاً أن “قواتنا المسلحة على أهبة الاستعداد لحماية أرض الوطن”.
وتابع: “بغداد ستبادر بعقد اجتماع لعدد من الدول في البلاد لمناقشة الأوضاع الخطرة في سوريا، وسندعو إلى اجتماع عاجل للجامعة العربية على مستوى الوزراء وسنفعل كل السبل الدبلوماسية للوصول إلى التهدئة بالوضع السوري”.
وبين حسين، انه “تواصلنا مع وزراء خارجية تركيا والسعودية والإمارات ومصر والأردن وسنعمل معاً للتنسيق بهذا الشأن” مؤكداً “دعم الشعب السوري من خلال إرسال المساعدات الإنسانية”.