الوثيقة | مشاهدة الموضوع - هل ما حدث في سوريا سيمثل بداية جديدة ام انه تكرار لمأساة العراق بعد 2003؟ اسئلة عديدة تبحث عن اجوبة د. سعد ناجي جواد
تغيير حجم الخط     

هل ما حدث في سوريا سيمثل بداية جديدة ام انه تكرار لمأساة العراق بعد 2003؟ اسئلة عديدة تبحث عن اجوبة د. سعد ناجي جواد

مشاركة » الأحد ديسمبر 08, 2024 12:26 pm

منذ ان بدا مقاتلوا هيئة تحرير الشام عملية السيطرة على حلب قبل عشرة ايام تقريبا، ثم الاندفاع نحو حماة وحمص بسرعة كبيرة وبدون اية مقاومة تذكر من قوات النظام، شعر بعض المراقبين بان هناك شبه رضا بما يجري او تسليم بواقع جديد لسوريا وخاصة من قبل اقرب حلفاء النظام (روسيا وايران).
هناك عدة اسئلة تطرح نفسها الان، الاول هو لماذ حصل هذا الانهيار السريع، والثاني هل سيكون ما حصل تكرار لمأساة ما حدث في العراق بعد 2003؟ ام بداية جديدة لسوريا خالية من الانتقام والتخريب وتدمير المنشئات الحكومية؟ كما تحدث قائد المعارضة احمد الشرع – ابو محمد الجولاني – في المقابلة المطولة التي اجرتها معه محطة CNN العربية قبل يومين (6 كانون الاول/ ديسمبر). والسوال الاهم ما هو موقف النظام الجديد من القضايا العربية، وبالذات القضية الفلسطينية والحرب في غزة؟
لقد بدآ واضحا، ومستغربا، ان رد الفعل الإيراني والروسي كان فاترا أو بصورة ادق سلبيا، ولا ينسجم مع ما يمثله هذا الحدث من تهديد لنفوذ الدولتين الكبير في اقل تقدير. فكل المؤشرات تقول ان الطرفين كانا من اوائل المستهدفين بالتغيير بعد نظام الاسد، وان نجاح التغيير سيكون ضربة كبيرة لنفوذهما في سوريا والمنطقة. الوجود الإيراني الكثيف كان يعتبر سوريا نقطة الوصل إلى لبنان وحزب الله، وخط دفاع متقدم في مواجهة اسرائيل. وان الاخيرة ظلت تشن الهجمات الجوية على الوجود الإيراني هناك وفق ستراتيجية واضحة وعلنية تقول بضرورة اخراج ايران من سوريا. في حين ان اتضاح دور أوكرانيا في العمليات العسكرية للمعارضة وتزويدها بالمسيرات والتدريب لا يمكن ان يفسر إلا بكونه جزء من الخطة الأمريكية الشاملة التي ترمي إلى تقويض النفوذ الروسي في منطقة البحر المتوسط. والسوال لماذا لم تفعل موسكو شيئا جديا وهي تعلم ان التغيير قد ينهي وجود قواعدها العسكرية، الجوية في حميميم والبحرية في طرطوس. ثم هل حقيقة ان روسيا وايران قد تفاجئتا بما حدث شأنهما شأن النظام السوري؟ ان صح هذا الكلام فان ذلك يعني فشلا استخباريا كبيرا. وان كانت لديهم معلومات ولم يتعاملوا مع الحدث بالطريقة التي تحمي مصالحهما فان هذا يعني قصور في الفهم الاستراتيجي لتلك المصالح، لان ما حدث ببساطة يعني ضربة قاصمة لنفوذ ووجود الدولتين في سوريا ونجاح للاستراتيجية الأمريكية- الاسرائيلية، بل وحتى الاوكرانية. لقد كان الجولاني واضحا جدا عندما قال ان الانتصار يعني مغادرة وانهاء وجود كل القوات الاجنبية في سوريا حيث لم يعد هناك حاجة لوجودها. الايام المقبلة ستثبت مدى دقة هذا الأقوال، وهل سيشمل القوات الامريكية والتركية التي كان لها دورا في انتصار المعارضة؟ ام ان التركيز سيبقى على ايران وروسيا فقط؟ وفي الوقت الذي ذكرت وسائل إعلام مختلفة ان طائرات ايرانية قامت بنقل عدد كبير من المستشارين الإيرانيين خارج سوريا، فان الحال مع روسيا مختلف حيث ان هناك قاعدتين ضخمتين ليس من السهل على روسيا التفريط بهما.
من حقنا كعرب محبين لسوريا ان نقلق على مستقبلها، وما تختزنه ذاكرتنا من ماسي حلت بالعراق بعد الاحتلال وروح الانتقام التي اتى بها القادمون الجدد وعدم وجود برنامج واضح لإدارة البلاد غير التدمير والنهب وإرساء الطائفية والعنصرية، وما تلاه في ليبيا، يجعلنا نتوجس من القادم. صحيح انه لم يحصل في حلب او حماة وحمص والان في دمشق ما يشير إلى رغبة عارمة في الانتقام، إلا ان هناك من رصد عمليات من هذا النوع سارع قادة المعارضة إلى نفيها او المطالبة بالتوقف عنها، خشية خسارة التأييد الشعبي الذي حصلوا عليه. وفي الحقيقة فان حديث الجولاني جاء مطمئنا من هذه الناحية بالذات، حيث ركز على حقيقة انه اختلف مع ابو بكر البغدادي (زعيم داعش) بسبب ما حدث من عنف وقتل وذبح في الموصل بعد السيطرة عليها، وذكر ان هذه الممارسات هي التي جعلته ينشق عن داعش وينظم إلى جبهة النصرة التي حولها فيما بعد إلى هيئة تحرير الشام. كما انه اعترف بان ممارسات خاطئة قد حصلت في الايام الاولى إلا ان ادارته سارعت إلى ايقافها. والان وبعد ان حقق الانتصار بدخول دمشق، وبعد ان اثبت بانه يمتلك اليد العليا في سوريا هل سيثبت على موقفه هذا، ام ان سلسلة عمليات الانتقام ستبدا وستنتشر؟ خاصة بعد عملية افراغ السجون التي لم تفرق بين مجرمين جنائيين ومعتقلي راي (سياسيين).
اما فيما يتعلق بالسوال الأخير والاهم والمتعلق بالموقف من فلسطين وغزة فالملاحظ ان كل المتحدثين باسم هيئة تحرير الشام قد تجنبوا الحديث عن هذه المسالة، او إبداء راي واضح فيها. وهذا الموقف يحمل دلالات كثيرة، قسم منها لا يبشر بخير، والقسم الاخر قد يحمل تأويلات مختلفة. السيء منها انه يُثَبت على الحركة ما اشيع عن وجود دعم اسرائيلي لها، وخطوط تعاون ودعم، وهذا ما اكدته بعض وجوه المعارضة التي تحدثت عن ان النظام الجديد سيعترف بدولة الاحتلال وسيقيم علاقات دبلوماسية معها. اما القسم الاخر فهو الذي يقول ان تجنب الحديث عن الاحتلال هو لكي لا يستفزه اثناء عمليات التقدم نحو دمشق. بتفسير منطقي بسيط، فان هيئة تحرير الشام هي حركة إسلامية دينية (أدرجتها الولايات المتحدة كحركة ارهابية). وحركة كهذه لا بد وان يكون لها موقف واضح من احتلال الأقصى في اقل تقدير، ولكن احداث كثيرة علمتنا ان الصبغة الدينية لم تمنع حركات وأحزاب دينية وشخصيات، ومن مختلف المذاهب، من التعاون الوثيق مع الولايات المتحدة وإسرائيل وبريطانيا. من ناحيتها فان إسرائيل نفسها ارسلت اشارات متضاربة في بهذا الخصوص، فمن ناحية عبرت تل ابيب عن فرحها بما جرى ويجري، ومن ناحية اخرى قام جيش الاحتلال بدفع قطعات عسكرية وتعزيزات إلى المنطقة العازلة في الجولان، ثم قصف طائرات اسرائيلية لمخازن اسلحة قرب دمشق تحسبا، كما قالت، (لما قد يقدم عليه النظام الإسلامي الجديد)، يضاف اليها الحديث عن تنسيق اسرائيلي مع الولايات المتحدة تحسبا لاي احتمال، كلها أمور تعطي اشارات مختلفة.
الخطر الاخر الذي يهدد سوريا هو الانزلاق نحو حرب اهلية، خاصة وان هناك 37 حركة مسلحة مختلفة ومتنافرة في معتقداتها موزعة في كل أنحاء سوريا، وخاصة تلك المنتشرة في شرق وشمال شرق سوريا المتمثلة بقوات سوريا الديمقراطية الكردية المدعومة من الولايات المتحدة، وبقايا تنظيم داعش، وبعض المليشيات الموالية لتركيا، وكل هذه الفصائل متصارعة فيما بينها. كما ان تركيا لن تسكت على التمدد الذي تنفذه الفصائل الكردية وبدعم أمريكي على حدودها الجنوبية، والذي يهدف إلى اقامة دولة كردية في تركيا.
القرار الذي اتخذه الجولاني في الإبقاء على رئيس الوزراء في منصبه حتى يتم تسليم مقاليد الأمور لهيئة تحرير الشام، يبقى قرارا رشيدا ومطمئنا لسكان دمشق وعموم سوريا، ولكن انتشار صور للعبث الذي جرى ويجري في بعض المباني الحكومية يبقى إشارة على عدم الاستقرار.
على كل حال، وبغض النظر عن ما قيل وسيقال، فان ما جرى يشكل في بدايته انتصارًا آخر لإسرائيل وللولايات المتحدة، ويضيق الخناق على الجبهة المناوئة للاحتلال والنفوذ الأمريكي. فهل سيستمر الحال هكذا، ام ان هناك تطورات كبيرة قادمة قد تغير المشهد؟ فقط الأيام القادمة هي التي ستحدد ما ستئول اليه الأمور.
كاتب واكاديمي عراقي
العناوين الاكثر قراءة









 

العودة إلى المقالات

cron