لندن ـ «القدس العربي»: ارتفعت سخونة تعامل الحكومة البريطانية التي يقودها حزب العمال برئاسة كير ستارمر مع قبول ملفات الهجرة ومنح الجنسية للمهاجرين واللاجئين إلى المملكة المتحدة، حيث تنفذ الحكومة سلسلة إجراءات تزيد فيها المصاعب على القادمين بطرق غير قانونية، وكذلك على العاملين من دون ترخيص.
ولا تنفصل هذه الموجة عن ما تشهده أوروبا بشكل عام من تشديد قبضتها في التعاطي مع ملف اللاجئين والمهاجرين، وهي قضية صارت مادة دسمة في الحملات الانتخابية على أنواعها في ظل تزايد صعود أحزاب اليمين المتطرف على مستوى القارة العجوز.
وفي جديد هذا الموضوع الشائك، أعلنت وزارة الداخلية في الحكومة البريطانية بتاريخ 10 شباط/فبراير 2025، عن تغييرات جذرية في قوانين الهجرة والجنسية، والتي تؤثر بشكل مباشر على الأشخاص الذين دخلوا المملكة المتحدة بطرق غير قانونية وخاصة عبر القوارب التي تقطع بحر المانش (القنال الإنكليزي بين فرنسا وإنكلترا).
ويبلغ عدد هؤلاء اللاجئين مئات الآلاف على أقل تقدير إذا تم احتسابهم بمجموع تراكمي على مدى السنوات العشر الماضية. فعلى سبيل المثال أظهرت بيانات وزارة الداخلية البريطانية أن العدد الإجمالي خلال الستة أشهر الأولى من العام الماضي وتحديدا حتى 19 حزيران/يونيو 2024 بلغ أكثرمن 12.300 مهاجر وصلوا عبر القوارب من فرنسا بعد عبورهم بحر المانش، ووصل منهم في يوم واحد فقط أكثر من 800 طالب لجوء وهو كان أعلى معدل يومي منذ أواخر العام 2022. وارتفعت الأعداد حتى نهاية العام الماضي، حيث تمكن 36816 مهاجرا من عبور المانش على القوارب أي أكثر بنسبة 25 في المئة مقارنة بالعام 2023، وفق وزارة الداخلية البريطانية.
تعديلات تثير قلق اللاجئين
وبموجب التعديلات الجديدة سيتم رفض طلبات الحصول على الجنسية البريطانية لأي شخص دخل البلاد بطريقة غير قانونية، بغض النظر عن الفترة التي قضاها في المملكة المتحدة أو وضعه الحالي. كما يشمل القانون قيودا إضافية على اللاجئين، وأصحاب الإقامة الدائمة، والأفراد الذين ارتكبوا انتهاكات لقوانين الهجرة.
وهذا سيعني بموجب القانون الجديد، رفض طلبات الجنسية للأشخاص الذين دخلوا المملكة المتحدة بشكل غير قانوني، بغض النظر عن مدة إقامتهم (السابقة)، ويشمل الدخول غير القانوني السفر عبر القوارب الصغيرة أو الاختباء داخل المركبات أو استخدام وثائق مزورة.
ووفقا لما قاله لـ«القدس العربي»، المستشار القانوني علي القدومي عن القانون الجديد فإنه: «حتى الأشخاص الذين حصلوا لاحقا على حق اللجوء لن يكونوا مؤهلين للحصول على الجنسية إذا كانوا قد دخلوا البلاد بطرق غير قانونية، ولا توجد استثناءات واضحة في القانون الحالي، إلا الحالات التي قد تفرضها المحاكم لاحقا».
ولتوضيح هذه النقطة بشأن تأثير القانون الجديد على اللاجئين وأصحاب الإقامة الدائمة، يضيف المستشار القدومي قائلا: «اللاجئون الذين دخلوا بطرق غير قانونية، حتى لو حصلوا على حق اللجوء، لن يتمكنوا من التقدم بطلب الجنسية، كما أن الأشخاص الذين حصلوا على الإقامة الدائمة بعد دخول غير قانوني قد يواجهون عقبات عند التقدم للحصول على الجنسية».
خيارات المتضررين
وعند سؤاله عن الخيارات المتاحة أمام المتضررين من القانون الجديد يقول: «قد يتم الطعن في هذه القواعد من قبل المحامين ومنظمات حقوق الإنسان بناءً على قوانين حقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية، فالإجراءات القانونية المتاحة للأشخاص المتأثرين تتوزع على عدة محاور، إذ يمكن للأفراد تقديم طعون قضائية ضد قرارات الرفض أمام المحاكم البريطانية.
كما أن المحاكم قد تنظر في الحالات الفردية، خاصة في قضايا الأطفال أو اللاجئين الذين لديهم أسباب إنسانية قوية. ويمكن اللجوء إلى المراجعة القضائية للطعن في القرارات بناءً على عدم التناسب أو انتهاك حقوق الإنسان».
وعن التداعيات القانونية المحتملة لهذا القانون يوضح القدومي: «يمكن الطعن في القانون بناءً على اتفاقية اللاجئين لعام 1951 التي تحمي الأشخاص الفارين من الاضطهاد.
وقد يتم اعتبار القانون الجديد انتهاكا للاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان ECHR خاصة فيما يتعلق بحق الحياة الأسرية (المادة 8) وعدم التمييز (المادة 14). ويمكن أن تواجه الحكومة البريطانية طعونا قانونية لإجبارها على تقديم استثناءات في بعض الحالات».
ولدى سؤالنا عن التحضيرات اللازمة التي ينبغي القيام بها من جانب الأفراد المتأثرين بهذا القانون، ينصح القدومي: «على أي شخص تأثر بهذه القوانين القيام بالتواصل مع محامين مختصين في الهجرة لفهم خياراته القانونية، وتقديم طلبات لإثبات حسن السيرة والسلوك، خاصة للأشخاص الذين عاشوا في المملكة المتحدة لفترة طويلة، وكذلك التقدم بطلب للحصول على إقامة قانونية طويلة الأمد إذا لم يكن الشخص من المؤهلين للحصول على الجنسية». ويوضح هنا بشأن البدائل المتاحة للأشخاص الذين لا يمكنهم الحصول على الجنسية فيقول: «يمكن لبعض الأفراد التقدم للحصول على إقامة دائمة أو تصريح إقامة إنساني كبديل للجنسية.
وهناك بعض الفئات قد تكون مؤهلة لنيل امتياز حماية اللاجئين أو الحماية الإنسانية، حتى لو لم يتم منحهم الجنسية. وفي بعض الحالات، يمكن الطعن في قرارات رفض الجنسية أمام المحاكم للحصول على إعفاءات قانونية».
ويختم المستشار القانوني علي القدومي قائلا: «القانون الجديد يعكس تشديدا كبيرا في سياسات الهجرة والجنسية البريطانية، ويشكل تحديا للأشخاص الذين دخلوا البلاد بطرق غير قانونية. ومع ذلك، هناك مسارات قانونية محتملة يمكن استغلالها للطعن في قرارات الرفض أو البحث عن بدائل قانونية للإقامة».
مداهمات وترحيل بالآلاف
وأشادت الحكومة البريطانية يوم الاثنين في 10 شباط /فبراير «بنجاحها في مداهمة أماكن عمل توظف عمالا غير قانونيين، بالإضافة إلى ترحيل الآلاف من المهاجرين الذين ليس لديهم حق البقاء في المملكة المتحدة». ويعد ما يطلق عليه «حملة على العمل غير القانوني» جزءا من تعهد حكومة حزب العمال/ يسار وسط / للحد من الهجرة- وهو ما يمثل أولوية للكثير من الناخبين.
وقالت الحكومة إن فرق مكافحة الهجرة نفذت أكثر من 5000 مداهمة منذ انتخاب حكومة حزب العمال في تموز/يوليو الماضي على أماكن عمل منها محال طلاء الأظافر والمتاجر والمحال التي تبيع السجائر الإلكترونية والمطاعم وأماكن غسيل السيارات، وقامت بإلقاء القبض على نحو 4000 شخص. وقامت بريطانيا بترحيل أكثر من 16 ألف شخص خلال نفس الفترة.
ولكن بالنسبة لمجموعات المهاجرين وبعض أعضاء حزب العمال، فإن صورة ما حدث تعيد إلى الأذهان حالة قلق وتعهد الحكومة المحافظة السابقة بجعل بريطانيا «بيئة معادية» تجاه الهجرة غير القانونية. وهذا أدى إلى حرمان الآلاف من المقيمين بصورة قانونية من السكن والعمل أو العلاج الطبي لعدم قدرتهم على إثبات وضعهم.
مشروع قانون
بصلاحيات واسعة
وفي سياق إجراءاتها المشددة طرحت الحكومة البريطانية في 30 من شهر كانون الثاني/يناير الماضي مشروع قانون يهدف إلى منح سلطات إنفاذ القانون «صلاحيات مماثلة لصلاحيات مكافحة الإرهاب» بهدف تفكيك العصابات التي تنقل المهاجرين غير الشرعيين عبر قناة المانش في رحلة محفوفة بالمخاطر.
ومن شأن مشروع قانون «أمن الحدود واللجوء والهجرة» الجديد الذي اقترحه حزب العمّال الحاكم أن يسمح لوكالات إنفاذ القانون بفرض أوامر مؤقتة على المهربين المشتبه بهم قبل توجيه اتهامات جنائية إليهم.
ويسمح هذا القانون للسلطات بأن تمنع هؤلاء المهربين من استخدام أجهزة الكمبيوتر أو الهواتف المحمولة، أو الوصول إلى شبكات التواصل الاجتماعي، أو الارتباط بأشخاص معينين أو الوصول إلى أموالهم.
وقالت وزيرة الداخلية إيفيت كوبر إنّ «هذا القانون من شأنه أن يزوّد وكالات إنفاذ القانون لدينا بالصلاحيات التي تحتاجها لوقف هؤلاء المجرمين الأشرار، وتعطيل سلاسل التوريد الخاصة بهم وتقديم المزيد من أولئك الذين يستفيدون من البؤس البشري إلى العدالة».
وأوضحت وزارة الداخلية أنّ التشريع سيجعل من غير القانوني التعامل مع العناصر المشتبه في استخدامها في معبر غير قانوني، مثل أجزاء القوارب الصغيرة، حيث تصل عقوبة الجريمة إلى السجن لمدة تصل إلى 14 عاما. كما يسمح مشروع القانون لسلطات الهجرة والشرطة بمصادرة الهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر المحمولة قبل إجراء الاعتقالات، بما في ذلك من المهاجرين الذين وصلوا للتو إلى الحدود.
بالإضافة إلى ذلك، سيسمح القانون لسلطات إنفاذ القانون باعتقال المهربين المشتبه بهم قبل عبورهم الحدود، «في مرحلة مبكرة أكثر مما هو ممكن حاليا»، وفقا لما ذكرته وزارة الداخلية في بيان لها.
وتشمل التدابير الأخرى استحداث جريمة جديدة تتمثل في جمع المعلومات لاستخدامها من قبل العصابات للعبور، وتعريض حياة آخرين للخطر في البحر، مثل منع جهود الإنقاذ.
وتصل العقوبة للجريمتين إلى السجن لخمس سنوات بموجب التشريع الذي من المتوقع أن يصبح قانونا بحلول نهاية العام 2025.
ويعمل التشريع الجديد أيضا على إلغاء الخطة المثيرة للجدل للحكومة المحافظة السابقة لإرسال المهاجرين غير الشرعيين إلى رواندا رسميا.