عمان- “رأي اليوم”- خالد الجيوسي:
يبدو أنّ الحُكم الجديد في سورية، لم يستوعب بعد حالة الانتقال من صيغة حُكم إدلب، إلى صيغةٍ أكبر وأعم وأشمل، وهي حُكم سورية، فلا تكاد تهدأ مشكلة أمنية هنا، إلا وبدأت غيرها هناك، ما يُبقي الباب مفتوحًا أمام “خطأ صغير” قد يعصف بكل ما جاء من بعد سقوط نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد.
اشتباك مُسلّح
ad
الجديد القادم من سورية في الساعات الماضية، ما حصل من واقعة اشتباك مسلحين “دروز” في جرمانا مع أجهزة حكام دمشق الجدد الأمنية، وقيام هؤلاء المسلحين بإقامة حواجز عسكرية، وهو مشهد يضع السلطات السورية الجديدة في اختبار مدى قُدرتها على ضبط أعصابها في التعامل مع العصيان، وهو ذاته العصيان الذي يقول أصحاب الثورة أنه أوصل البلاد لما هي عليه الآن.
وشهدت جرمانا، المدينة التي تقع على أطراف دمشق في الجنوب الشرقي، وتصلها بالعاصمة منطقة الكباس والدويلعة، وتبعد عنها مسافة 5 كلم تقريبا، والتي يقطن غالبيتها الدروز والمسيحين، اشتباكات بين قوات إدارة الأمن العام ومجموعات مسلحة تابعة لما يُسمى “لواء درع جرمانا” و”لواء الكرامة”، أسفرت عن مقتل أحد العناصر الأمنية برصاص مسلحين وإصابة خمسة أخرين، مساء الجمعة.
هذا المشهد، نتج عنه مقتل عنصر أمن من قوات حكومة أحمد الشرع برصاص المسلحين، أي أنه يضع هيبة الدولة الجديدة على محك استعادة هيبتها، بالطرق السلمية، أو الأمنية، الأمر الذي دفع السلطات السورية الجديدة لمنح مسلحي جرمانا “مُهلة خمسة أيام” لتسليم قتلة عنصر الأمن.
حل سلمي
لافت أن السلطات الجديدة، حاولت تقديم الحل السلمي للحادثة، حيث قال مدير مديرية أمن ريف دمشق الجديد، المقدم حسام الطحان، إن المديرية تواصل جهودها، بالتعاون مع الوجهاء في مدينة جرمانا، لملاحقة جميع المتورطين في حادثة إطلاق النار، كما أنها تعمل على إعادة العناصر الشرطية إلى القسم المعني.
إسرائيل تلتقط الإشارة
يحدث هذا، بينما تنتهز إسرائيل الواقعة، وتختار الوقوف إلى جانب ما وصفته بـ”حماية الدروز في جرمانا”، بل ووصل الأمر لإعلان رئاسة الوزراء الإسرائيلية أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أصدر تعليمات للجيش بحماية سكان جرمانا بريف دمشق، عقب التوترات التي شهدتها المنطقة ومحاولة الأمن العام السوري الجديد فرض السيطرة فيها.
تُطرح تساؤلات فيما إذا كان نتنياهو سيحتل دمشق لحماية “الدروز”، وهل سيصل به الأمر لفتح جبهة جديدة، حيث قال مكتب نتنياهو في بيان: “لن نسمح للنظام الإسلامي المتطرف في سوريا بالمساس بالدروز، وسنضرب النظام السوري في حال اعتدائه على الدروز في جرمانا”.
وزير الحرب الإسرائيلي يسرائيل كاتس هدّد من جهته السبت، بالتدخّل عسكريًّا في سوريا ضدّ القوات السورية “إذا أقدم النظام على المساس بالدروز في ضاحية جرمانا جنوب شرق دمشق”.
صمت الشرع
وأضاف كاتس أن إسرائيل لا تُعوّل على رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع، رغم تصريحاته الإيجابية، مشددًا على أن “الاعتماد الأساسي يكمن على الجيش الإسرائيلي”، وتُواصل إسرائيل ذِكر اسم الشرع في تصريحاتها بشكلٍ مُباشر، وتهدد وحدة وسلامة وسيادة أراضيه، فيما يصمت الأخير، أو يرد بشكلٍ غير مُباشر عليها، ما يضع علامات استفهام حول طريقة ردّه في حال وصول الجيش الإسرائيلي إلى عاصمة بلاده دمشق، وليس جنوب بلاده “منزوع السلاح” بالأمر الإسرائيلي.
الدروز.. بين الولاء لسورية وإسرائيل!
ذرائع إسرائيل هذه، قُوبلت بشكلٍ لافت ومرصود ومتقدم، بالرفض، وأعلن ربيع منذر، عضو مجموعة العمل الأهلي في جرمانا، رفضه لتدخل “إسرائيل” في الأحداث بمدينته.
وأضاف منذر: “نحن نعيش في جرمانا منذ مئات السنين، ولم نطلب الحماية من أحد، فما يحمينا هو النسيج الاجتماعي السوري، الذي نعتبر أنفسنا جزءا أصيلا منه”.
ووصل مجموعة من وجهاء ومشايخ الدروز في السويداء إلى جرمانا، في محاولة لاحتواء الموقف.
ويُقيم نحو 150 ألف درزي في إسرائيل، الغالبية منهم يعتبرون أنفسهم إسرائيليين واندمجوا في المجتمع الإسرائيلي وجيشه، وهؤلاء تُريد إسرائيل فيما يبدو اعتبار الدروز السوريين امتدادًا لهم للدفاع عنهم، وهي ذريعة باطلة للتمدّد في الأراضي السورية، بينما يُقيم 23 ألف درزي في الجزء الذي تحتله إسرائيل من هضبة الجولان. ويتمسّك غالبيتهم بالهوية السورية رافضين الجنسية الإسرائيلية.
لا علاقة لفلول نظام الأسد
الخلاف المُسلّح الحالي بين قوات الأمن السوري الجديد، والمسلحين الدروز في جرمانا، ليس له علاقة بفُلول النظام السوري السابق، ولكن يطرح تساؤلات حول أسبابه، وما إذا كان مقدمة لإعلان العداء الدرزي للدولة السورية الجديدة، حيث كانت ضاحية جرمانا من أولى المناطق التي أسقط فيها السكان في السابع من ديسمبر/ كانون الأول الماضي، عشيّة الإطاحة بحكم بشار الأسد، تمثالًا نصفيًّا لوالده الرئيس الراحل حافظ الأسد كان موضوعاً في ساحة رئيسية تحمل اسمه.
وبحسب وكالة الأناضول٬ “تؤكد السلطات السورية الجديدة في سوريا على حقوق كل الطوائف، وتشدد على عدم المساس بها في إطار وطن موحد”. وتقول إن “المشكلة في جرمانا، وفي بعض مناطق البلاد، ليست مع طائفة إثنية معينة، وإنما مع الميلشيات التي ترفض التخلي عن السلاح، وتواصل إثارة القلاقل الأمنية”.
“دولة جرمانا”
بكُل حال، هذه واقعة تُسلّط الأضواء على حالة عدم الأمان المُطلق، وعدم السيطرة المُطلقة على الأراضي السورية من قبل حكّامها الجُدُد، والذين يُفترض أنهم “أسقطوا” النظام السابق في 11 يومًا، وعلى إثره انتهت مؤسساته، وحلّ جيشه، ففي حي جرمانا يوجد دولة داخل دولة، تتبع لما يُعرف باسم درع جرمانا، ولها حواجزها، وعناصرها، وهو أمر أقرّت به السلطات السورية الجديدة وهي تروي رواية واقعة جرمانا بحسب ما نقلته وكالة الأنباء السورية “سانا”، عن مدير مديرية أمن ريف دمشق المقدم حسام الطحان، فإنه “أثناء دخول عناصر تابعة لوزارة الدفاع إلى جرمانا بهدف زيارة أقاربهم، تم إيقافهم عند حاجز يتبع لما يُعرف بدرع جرمانا ومنعهم من الدخول بسلاحهم”.
وأضاف الطحان: “بعد تسليم عناصر وزارة الدفاع أسلحتهم تعرّضوا للضرب والشتائم من قبل عناصر الحاجز، قبل أن يتم استهداف سيارتهم بإطلاق نار مباشر، وعلى خلفية حادثة إطلاق النار من حاجز بجرمانا قتل أحد العناصر الأمنية على الفور، فُيما أصيب آخر وأسره عناصر الحاجز”.
مناشدة درزية للسعودية
وفي مُناشدة قد تشرح أسباب عدم تخلّي الدروز عن سلاحهم في سورية، ناشد رئيس الحزب “الديمقراطي اللبناني” طلال أرسلان أحد أهم الزعامات الدرزية في لبنان، العربية السعودية التدخّل لدى المعنيين في دمشق لوضع حد للتجاوزات التي قد تتكرر في أي وقت وبصيغ مختلفة بحق الدروز في سوريا، وكتب أرسلان في منشور على حسابه بمنصة “إكس”: “شهدت جرمانا السورية أمس اضطرابات أدت إلى استنفار كبير في جبل العرب، كما استنفر العدو الإسرائيلي تحت ذريعة حماية الدروز”.
وأكد أرسلان أن “الدروز عرب أقحاح ولا يحتاجون إلى براءة ذمة من أحد، فقد قدموا عبر تاريخهم الحافل بالبطولات تضحيات جسيمة من الدماء دفاعًا عن الأرض والعرض في كل أنحاء سوريا، ضد الأجنبي والاستعمار”.