الوثيقة | مشاهدة الموضوع - نصر العرب على إسرائيل: ينتظرون إعادة سردية كرامتهم المسحوقة ومن خلال أنياب عضة “وشق” قط بري؟ صباح البغدادي
تغيير حجم الخط     

نصر العرب على إسرائيل: ينتظرون إعادة سردية كرامتهم المسحوقة ومن خلال أنياب عضة “وشق” قط بري؟ صباح البغدادي

مشاركة » الاثنين مارس 24, 2025 3:33 pm

قبل يومين ، انفجرت واجتاحت منصات التواصل الاجتماعي موجة من النشوة والابتهاج ومن خلال الواقع الافتراضي، تتغنى بأهازيج مدوية من قبل الشارع العربي والذي يبحث عن أي نصر حتى وإن كان من حيوان مفترس؟ السبب؟ حادث تافه لا يستحق حتى أن يذكر؟ خبر مهاجمة “وشق” – قط بري بالمصري – وتعرض عدد من الجنود الإسرائيليين داخل قاعدة عسكرية لهجوم حيوان الوشق، ما أسفر عن إصابتهم بجروح طفيفة وبالقرب من جبل حريف على الحدود المشتركة واستدعى الجيش الإسرائيلي مفتش هيئة الطبيعة والمتنزهات والذي تمكن بمساعدة طبيب بيطري من السيطرة على الحيوان وضبطه و إخضاعه لفحوصات طبية اذا كان مصاب بأمراض وأوبئة تنتقل للبشر. حادث عادي جدآ قد يتعرض له أي إنسان في مواجهة حيوان مفترس عندما يشعر أي حيوان بري بان هناك خطر يوشك أن يقع عليه ويهدد حياته، وهو رد فعل طبيعي وغريزة أودعها الله في جميع الحيوانات دون استثناء للدفاع عن نفسه، لكن خواء العقل الجمعي العربي الأجوف، ذلك الحفرة السوداء التي تعفنت من كثرة الهزائم والفراغ المظلم الذي استوطنته الهزيمة عقودًا، وجد في سردية مهاجمة “قط بري” نشوة نصر زائفة يستحق الاحتفاء بها. يا للعار والقرف! شعوب تدّعي التاريخ والحضارة والعراقة والكرامة، تنحدر اليوم إلى هذا المستوى وتتهافت على احتفاء وتتراقص فرحا؟ لأن حيوانا مفترسا للفئران والأرانب قد نال من عدوها في غفلة، كأن ذلك يعيد لها كرامة سُلبت أو يمحو ذل الانكسارات التي تراكمت كالجبال على صدورها. أي انحطاط هذا الذي وصلنا اليه ؟ أي ذلٍّ أعمق من أن يصبح العقل الجمعي العربي كجثة متعفنة تبحث عن بقايا كبرياء في أنياب وحش؟
التاريخ يصرخ في وجوهنا وعلّمنا أن الحروب تُحسم في خواتيم نهايتها دائمآ ، لا في بداياتها الجوفاء المبهرجة . هذه ألمانيا النازية اجتاحت ودكت أوروبا في الحرب العالمية الثانية، لكنها انتهت إلى هزيمة مدوية وجيفة قُسمت بين الذئاب أو كالغنيمة بين المنتصرين. اليابان سحقت ودكّت بيرل هاربر بضربة مذهلة، لكنها ركعت في النهاية تحت وطأة القنابل النووية الأمريكية. لكن العرب، في مواجهتهم مع إسرائيل، لم يتعلموا الدرس لغاية الإن. منذ نكبة 1948 حين انهارت جيوشهم النظامية كالقش أمام ميليشيات وعصابات صهيونية، وهم ما يزالون يتوسلون النصر من حفرة الذل والعقل العربي وما يزال لغاية الآن يتخبط في مستنقع الهزيمة. تلك العصابات والميليشيات لم تكتفِ بتمزيقها لهذه الجيوش العربية وبالنصر لهم، بل أسست دولة فوق جثثهم وأذلّت العرب وجعلتهم يتوسلون ظلال النصر منذ ذلك الحين ولغاية الآن وحتى وان كان من حيوان مفترس ؟، ميليشيات أسست لها دولة بصقت في وجوههم وجعلتهم عبيدًا للخيبات. ثم جاءت هزيمة نكسة 1967، ذلك الزلزال الذي هزّ أوهام القومية العربية وحيث جمال عبد الناصر – ذلك البهلوان القومي وبطل الخطابات النارية الخاوية – باع شعبه في سوق أوهام النصر، وبنى دولة بوليسية قمعية حيث عسعس زوار الليل التي كانت تعد انقاس المصريين يغرقهم في أعمق مستنقع لهزيمة جديدة. ستة أيام فقط، كانت كفيلة بان سحقت جيوش عربية مجتمعة كانت مدججة بالسلاح والعتاد، ولكن تبين لنا بعد أن صحي الجميع على أخبار الهزيمة النكراء المشينة، بان هذه الجيوش العرمرم كانت بالأساس لقمع وإسكات المعارضة والكلمة الحرة وتغيبها في غياهب المعتقلات والسجون والتعذيب الوحشي وليست لمواجهة إسرائيل؟ وسقطت فيها واحتلت سيناء والجولان والضفة والقدس تحت أقدام الاحتلال، بينما كان العرب يلعقون جراحهم مثل الحيوانات المفترسة والتي احتفى بها خواء العقل العربي قبل أيام بالنصر من خلال الترند ؟ كان ذلك درسًا قاسيًا آخر في فن الهزيمة، لكن العرب لغاية الإن لم يتعلموا ففي فرقتهم نصرا وفي جمعهم هزيمة هكذا ما يزالون يعتقدون الملوك والرؤساء والحكام العرب وهم يطعنون ظهور بعضهم البعض في الخفاء. حتى حرب 1973، التي يتباهون بها كانتصار، لم تكن سوى كرٍ وفرٍ، انتهت ببقاء سيناء تحت السيطرة الإسرائيلية حتى تفاوضوا عليها لاحقًا كجزء من صفقة خضوع مذلة ما يزال يدفع ثمنها الفلسطينيين.

اليوم نرى بصورة أوضح من السابق، بعد عقود من الذل وخيبة الأمل، ها هم العرب يبحثون عن بصيص أمل لنصر في مخالب حيوان. إسرائيل اليوم نراها وبكل وضوح تستبيح سوريا وفلسطين ولبنان، تضرب بعرض الحائط كل القوانين الدولية،

ومع تعنت ورفض حكومة نتنياهو في البدا بمباحثات الجولة الثانية من المفاوضات وحتى مع أشراك المبعوث الأمريكي لتقريب وجهات النظر والدفع بعجلة المفاوضات، راينا كيف أن الجيش الإسرائيلي وبكل وقاحة بتجديد القصف على قطاع غزة وجنوب لبنان وسوريا الذي أدى الى مقتل المئات من المواطنين المدنيين الفلسطينيين ، وكل ذلك يحدث من مجازر وسيستمر بالحدوث وبدافع قد تراه في مخيلتها وعقليتها التدميرية التعسفية لتحسين شروط التفاوض الأمريكي لتحرير ما تبقى لها من رهائن أو الأسرى ومن دون أن يتم التزامها بوقف اطلاق النار أو حتى تمديده طوال فترة المفاوضات ودخول المساعدات والاحتياجات الإنسانية والمعاشية

لان حكومة نتنياهو أيقنت بان لا أحد يستطيع وقف ما تفعله من قتل وتدمير وخراب في قطاع غزة أو غيرها من الدول المجاورة لها وتتصرف بكل عنجهية وحتى من دون أية قيود أو اعتبارات إنسانية وأخلاقية، وفيما هي تمارس هوايتها بالإبادة الفعلية ضد شعب أعزل سلاحه الكلمة والحجارة وفي ظل صمت دولي وعربي مخزي وسقطت من خلال هذا الصمت لاي اعتبارات الأخلاقية والإنسانية إذا وجدت إليهم ناهيك عن الاعتبارات والقانونية وتشريعاتها الملزمة من قبل الأمم المتحدة ومنظماتها التي اتخذتها بعد الحرب العالمية الثانية. بينما من يدّعون “المقاومة” يهرولون للتنصل من أي عمل قد يزعج العدو؟ “حركة حماس” اليوم تستجدي الجلوس الى طاولة المفاوضات مع إسرائيل وبعد أن كانت تفرض شروطها المسبقة , ولكن اليوم تيقنت بان ورقة الأسرى التي كانت تلعب بها أصبحت غير ذي جدوى والأخر كذلك ” حزب الله اللبناني” الذي كان يومًا يحسبه معظمهم رمزًا للمقاومة والتحدي والصمود بوجه إسرائيل وصدع رؤوسنا بالشعارات الرنانة الطنانة ، أصبح مجرد شبح ينتظر من يطلق عليه رصاصة الرحمة وبعد أن تم تصفية وقتل جميع قياداته ونخبة مقاتليه , نراه اليوم يتبرأ بسرعة البرق من إطلاق صواريخ قبل أيام على بعض مناطق شمال إسرائيل ، كأن الهزيمة قد نُقشت في جيناته منذ زمن , ولكن لم نكن نراها بصورة واضحة , ولكن اليوم وبعد كل هذه الهزائم اصبحنا تتكشف شيئا فشيء حقيقة محور ما كان يسمى بالمقاومة والممانعة ووحدة الساحات وكذلك جيوش الدول العربية وحكامنا ونحن نرى بما وصل إليه أهل “قطاع غزة” باستشهاد أكثر من 50 ألف معظمهم من النساء والأطفال والشيوخ وأصبحوا مجرد أرقام تذكر وليس بشر كانوا قبل قليل لهم حياتهم وأحلامهم , يا لها من مهزلة ! شعوب تتغنى بالبطولة، لكنها تركع أمام أول اختبار حقيقي، تاركة مصيرها للصدفة أو لعضة قط بري لجنود إسرائيليين؟
هذا هي حقيقية خواء العقل العربي الجمعي، مجرد خرقة بالية ممزقة بالهزيمة، عقل استسلم للانكسار وتعفن فيها كل أمل حتى بالمستقبل، فقد الثقة بنفسه، وصار يترنح بين الأوهام والذل. ومنذ 1948 حين انتصرت المليشيات والعصابات الصهيونية على جيوش عربية متهاوية كانت في حقيقتها أضعف حتى من خيوط العنكبوت، وصولًا إلى يومنا هذا، حيث تكتمل توراتية خارطة الشرق الأوسط الجديد تحت أقدام إسرائيل، والعرب يتفرجون كالأيتام على مائدة المنتصرين. مصر والأردن خرجتا من المعادلة بسلام مذل وباعها قضية فلسطين في اتفاقيات كامب ديفيد ووادي عربة، العراق وسوريا دُمرتا وتحولت إلى أنقاض ينهش جسدهما ضباع الميليشيات والفصائل الولائية المسلحة، وحزب الله أصبح يترنح كالمخمور ينتظر الذبح على مقلصة الولي الفقيه واليوم الذي يطلق عليه رصاصة الرحمة. وبينما إسرائيل تُرسم حدود الشرق الأوسط والمنطقة من جديد، يظل المواطن العربي لخواء يبحث ليصفق ويبتسم فرحا عن نصر وهمي زائف حتى وان كان هذا النصر سراب في أنياب حيوان مفترس، كأنه سيخلصنا من عار الهزائم طول العقود الماضية وكأن ذلك سيرد له كرامة نهشتها أنياب أنظمته الحاكمة الوحشية والقمعية وعجزه المزمن. أي حماقة هذه؟ أي غباء أعمق من أن نعلق كرامتنا الميتة على ومخالب حيوان؟

وأصبح هذا الحيوان المسكين الذي لا يعرف لماذا كل هذه الضجة الإعلامية التي رافقته وكأنه جاسوس تم القبض عليه ليصبح بعدها خلال دقائق بعد إذاعة الخبر ترندا والأكثر تداولا ورواجا على جميع منصات التواصل الاجتماعي والسوشيال ميديا خلال اليوميين الماضيين، ونشرت خبر عن الحيوان ومعلومات مفصلة عنه؟ بل سارع أحدهم منتشينا ومن خلال مقال طويل عريض كتبه يشرح فيه تاريخ هذا الحيوان البري وطريقة عيشه وتكاثره وكأننا في درس لعالم الحيوان والجغرافية وأين يستوطن وطريقة تكاثره ثم يختم مقال بعبارة:” وفي ختام رحلتنا مع الوشق، ذلك المخلوق المذهل الذي يجسد البراعة في التكيف والبقاء، نجد أنفسنا أمام عجيبة من عجائب الخلق -التي أتاحت لنا واقعة عقره جنود الاحتلال الإسرائيلي- فرصة الغوص في تفاصيلها المذهلة”.
لكن الحقيقة المرة والمخجلة لن تمحى , وليس المشكلة القط البري من يجب أن يُخجلنا نحن العرب ، بل هذا العقل العربي المكسور والمحطم والمقزز الذي صار يرى من خلال البهائم والحيوانات والنصر فيهم ليس بطلًا وحيدا ولكن أبطالًا لأنه عاجز عن أن يكون بشرًا. إنه ليس نصرًا، ولا نحتاج نصرآ يأتي لنا من حيوان مفترس على إسرائيل وأعداء الإمة العربية والإسلامية ه بل شهادة دامغة على عمق الهزيمة التي نعيشها. متى سيتوقف العرب عن انتظار الخلاص من البهائم ومخالب الحيوانات الوحوش، ويدركون أن النصر لا يُستجدى، بل يُصنع؟ لكن، مع عقلٍ أجوف وإرادة مكسورة ومنهزمة وأنظمة عربية حاكمة خانعة بل رصاصة رحمة تُنهي هذا العفن الذي يُسمى العقل الجمعي العربي. هذا التريند ومن حيث لا يدري الأخر قد أصبح سيفًا يقطع الوهم، ويعري مدى هشاشة ذلك الفراغ الفكري العربي، حيث يترنح العقل العربي في انتظار “حيوان مفترس” ليمنحه نشوة نصر كاذبة تذوب كالسراب في لحظة!
خواء العقل الجمعي العربي وتعلقه بوهم النصر الزائف يتجسد لنا اليوم بصورة حقيقية ومن خلال الترندات التي اجتاحت منصات التواصل الاجتماعي والسوشيال ميديا قبل أيام؟ ومن حيث لا يدري الأخر قد أصبح هذا الترند سيفًا يقطع الوهم، ويعري مدى هشاشة ذلك الفراغ الفكري العربي، حيث يترنح العقل العربي في انتظار “حيوان مفترس” ليمنحه نشوة نصر كاذبة تذوب كالسراب في لحظة! متى سنتوقف عن التسول من التاريخ العربي والإسلامي ونصنع نصرًا حقيقيًا؟ الجواب واضح: ليس اليوم، وليس غدًا، ولا حتى بالمستقبل؟ هكذا نرى الآن؟ إلا إذا حدثت معجزة إلهية ونحن مع الأسف لسنا في زمن المعجزات ولا الأنبياء والرسل والقديسين، ما دمنا نرقص كالمهووسين لعضة حيوان قط بري!

يتعين علينا أن لا نكتب فقط ! بل أن نواجه بجرأةٍ وصدقٍ تلك الحقيقة المؤلمة التي طالما تجاهلناها أو خشينا التصريح بها, لقد تحولنا إلى أمة عربية إسلامية أنهكتها أزماتها حتى باتت تعاني الإفلاس الشامل – ليس فقط في مواردها المادية، بل في طاقاتها الفكرية وروحها الحضارية. هذه الحقيقة القاسية التي تناولنا بعض من مأساة فصولها اليوم ، والمجردة من أي زيف أو مواربة عاطفية، قد لا نلمس أثرها نحن اليوم وبعيوننا المغلقة، لكنها ستبقى شاهدةً تنتظر الأجيال المقبلة لتكون لها عبرةً ومنطلقًا. وربما تُحدث هذه الصدمة، في يومٍ ما، رجّةً في أعماق الضمير العربي النائم، فتوقظه من غفوته العميقة التي طال أمدها، لينهض مجددًا كما نهض أسلافنا الأوائل، حين كانوا أسياد العالم ومنارات الحضارة. لقد حاولتُ في سياق هذا المقال ، ولو بشيء قد يكون ما يزال خافيآ من الأكثرية ولكن وبكل ما أوتيت من عزم، أن أتحدى جدار الصمت المصطنع، وأن أكسر أغلال الوهم والخداع وبنصرة الطائفة والمذهب والتي أصبحت شيء فشيء تتسلل لتقييد أيدينا وأقلامنا ، وأن ألقي حجرًا في مستنقع العقل الجمعي الراكد. فلعل تلك الموجات المترددة التي تثيرها تلك الفعلة تتحول إلى نسمة صحوةٍ تهز هذا العقل العربي، فستنهضه من كبوته ليعود إلى ريادته ويستعيد مجده التليد. وربما تبقى هذه الأسئلة بلا إجابة، معلقة في فراغ التاريخ كما نحن نعيشه في يومنا هذا.
العناوين الاكثر قراءة









 

العودة إلى المقالات