بغداد ـ «القدس العربي»:يشهد المجتمع العراقي هذه الأيام، حملة استهداف للسوريين المؤيدين للنظام السوري الجديد، إضافة إلى تهديدات طالت سفارته في بغداد، فيما أعلنت الحكومة العراقية رفضها لهذا النهج، في صورة جديدة لازدواجية المعايير في التعامل مع الكثير من القضايا الحساسة المحلية والعربية والدولية.
وخلافا للروح المرحبة بالأشقاء العرب لدى العراقيين، فقد شنت العديد من الأحزاب والفصائل المسلحة، حملة شعواء ضد النظام السوري الجديد وضد كل السوريين المؤيدين له في العراق، بذريعة قيام القوات الأمنية السورية الجديدة، بحملة معادية للعلويين (إحدى فرق الشيعة) في الساحل السوري.
وإثر دعوات عبر وسائل التواصل الاجتماعي من أحد الفصائل المسلحة، أتباعها للتظاهر أمام السفارة السورية في بغداد، احتجاجا على ما أسمته بقمع الطائفة العلوية خلال المعارك في الساحل السوري مؤخرا، فقد فرضت قوات الأمن العراقية إجراءات مشددة بمحيط السفارة السورية الواقعة في حيّ المنصور وسط بغداد.
وأكدت مصادر أمنية، اعتقال بعض الأشخاص ممن حاولوا دخول مبنى السفارة، بعد اجتياز الحاجز الأمني الإسمنتي المحيط بالسفارة المغلقة منذ إسقاط نظام بشار الأسد في سوريا قبل أشهر. كما أعلنت وزارة الداخلية، القبض على متهم قام بالتحريض على التجمهر أمام السفارة السورية، بدون تحديد الجهة المنتمي إليها.
وبعد يومين، أعادت قوات الأمن، تطويق مبنى ومحيط السفارة السورية في العاصمة بغداد، في إجراء هو الثاني من نوعه خلال يومين، بعد ورود معلومات بوجود مجاميع أخرى تنوي التظاهر أمام السفارة السورية.
وفي محافظة المثنى جنوب العراق، نظم عدد من أتباع الفصائل، تظاهرة في كورنيش السماوة، «لاستنكار الجرائم الوحشية التي تطال المدنيين العزل في سوريا».
ورفع المشاركون لافتات ورددوا هتافات تندد بتلك الجرائم وتدعو المجتمع الدولي للتدخل لحماية الأقليات في سوريا!
وكتب في إحدى اللافتات «نستنكر الجرائم الوحشية وقتل المدنيين والابادة الجماعية لاتباع آل البيت والطوائف الأخرى على يد عصابات الجولاني». وجرت التظاهرة تحت حماية الشرطة. وكانت البصرة شهدت خروج تظاهرة ضد زيارة وزير خارجية سوريا إلى العراق.
وضمن الحملة المعادية، تداولت بعض منصّات وسائل التواصل الاجتماعي مقطع فيديو يظهر أعمال عنف مشينة بحق بعض العمال السوريين العاملين في العراق، من قبل مجموعة تابعة إلى فصيل مسلح.
وأظهر الفيديو مجموعة مسلحة من ميليشيا تطلق على نفسها «تشكيلات يا علي الشعبية» خلال اقتحامهم أحد المخابز وتفتيش هواتف العمال السوريين والاعتداء عليهم بالضرب، بسبب وجود صور الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع في هواتفهم. وقبل نشر الفيديو، أصدرت نفس الجماعة، بيانا تحذيريا توعدت فيه السوريين المقيمين في العراق، في حال ثبت تأييدهم للحكومة السورية الجديدة ورئيسها أحمد الشرع.
وضمن هذا الإطار، شنت القنوات المحلية ومواقع التواصل الاجتماعي التابعة للفصائل والأحزاب الشيعية، حملة تحريض ضد النظام السوري الحالي، عبر نشر عشرات المقالات والصور والأفلام، التي تدعي انها لحملة اعدامات واعتقالات نفذتها القوات الأمنية السورية ضد الشيعة في سوريا.
ولم يقتصر التحرك ضد مؤيدي الحكومة السورية الجديدة على بعض الفصائل ووسائل الإعلام، بل شاركت بها مؤسسات حكومية أيضا، من خلال حملة اعتقالات في بغداد والمحافظات، لسوريين مقيمين في العراق.
وذكرت مصادر أمنية وبعض مواقع التواصل الاجتماعي، قيام الأجهزة الأمنية العراقية باعتقال مجموعة من السوريين المقيمين في العراق، بتهمة دعم «التنظيمات الإرهابية» عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وأشارت المصادر إلى أن الأجهزة الأمنية العراقية كثفت جهودها منذ أيام لمتابعة الحسابات الداعمة «للإرهاب» على منصات التواصل الاجتماعي، حيث أفادت مصادر مطلعة، باعتقال بعض السوريين في بغداد «لقيامهم بالترويج للتنظيمات الإرهابية في سوريا ومنها جبهة النصرة»، بعد قيام السوريين المذكورين، بنشر أفلام فيديو عن المعارك التي تخوضها القوات الأمنية للنظام السوري الجديد ضد فلول النظام السابق في الساحل السوري. وتكررت الاعتقالات في محافظات أخرى.
وفي أعقاب هذه الإجراءات والمواقف المعادية، ادانت وزارة الخارجية والمغتربين السورية، في بيان نشرته على منصة «إكس»، «ما يتعرض له بعض السوريين في العراق من أفعال تشكل انتهاكا لحقوق الإنسان والقانون الدولي». وطالبت «الحكومة العراقية بمحاسبة مرتكبي هذه الجرائم وضمان أمن وسلامة السوريين في العراق». وتابعت الخارجية السورية: «نعمل على التواصل مع الأشقاء في الحكومة العراقية لمعالجة هذه الانتهاكات ومنع أي تجاوزات أخرى»، مؤكدة «نحن على ثقة بقدرة الحكومة العراقية على فرض سيادة القانون وحماية جميع المجتمعات ضمن أراضيها».
ووصل الأمر إلى إعراب بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق «يونامي»، عن «قلقها البالغ» إزاء التقارير حول وقوع اعتداءات على عمال سوريين في العراق.
وذكرت البعثة في بيان «نرحب بالإدانة الصريحة الصادرة عن رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني لهذه الاعتداءات، ونشيد بقرار الحكومة العراقية تشكيل فريق أمني متخصص لملاحقة مرتكبي هذه الاعتداءات التي تمس كرامة الإنسان وتنتهك حقوقه، وما يمثله ذلك من مخالفة للقوانين العراقية النافذة». ودعت الجميع، إلى «الالتزام بالقانون، والتحلي بالحكمة، والابتعاد عن خطاب الكراهية، والمحافظة على الاستقرار ضمن عراق آمن متصالح مع ذاته ومحيطه».
وكان رئيس الوزراء العراقي محمد السوداني، قد وجه بتشكيل فريق أمني مختص «لملاحقة مرتكبي أعمال عنف مشينة».
وقال الناطق باسم رئيس الوزراء صباح نعمان، في بيان، إن «بعض منصات وسائل التواصل الاجتماعي تداولت مقطع فيديو يظهر أعمال عنف مشينة بحق عدد من الأشقاء السوريين العاملين في العراق، من قبل مجموعة ملثمة تنسب إلى فصيل يُطلق على نفسه اسم تشكيلات يا علي الشعبية، وعلى الفور، وجه القائد العام للقوات المسلحة، رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، بتشكيل فريق أمني مختص لملاحقة من يرتكب هذه الأفعال غير القانونية التي لا تمت لأخلاق العراقيين بصلة».
التحريض ضد النظام السوري
وبعيدا عن الموقف الرسمي لحكومة محمد السوداني، شارك في حملة استهداف السوريين المؤيدين للحكومة السورية الجديدة، العديد من قادة الأحزاب والفصائل الشيعية، عبر البيانات والتصريحات والتغريدات على مواقع التواصل الاجتماعي.
فقد دان رئيس منظمة بدر هادي العامري، في حديث تلفزيوني، ما اسماه باعتداءات نظام أحمد الشرع على العلويين في الساحل السوري. وأوضح، أن «ما حصل في مناطق الساحل مخيف للسوريين، ومن مصلحة العراق استقرار سوريا وننتظر إجراءات حقيقية وليس تصريحات». وأكد العامري «لا يمكن السيطرة على الشعب السوري من خلال العنف»، مشيرا إلى أن «تنظيم القاعدة الإرهابي متورط بقتل العراقيين بالمفخخات» ملمحا إلى أن أحمد الشرع كان منضويا في ذلك التنظيم.
فيما أكدت كتائب حزب الله العراق، على «حق السوريين في التصدي لعصابات الجولاني»، مؤكدة أيضاً على معالجة مخالفات السوريين المقيمين في العراق.
وقالت الكتائب في بيان، إن «تاريخ العراق وسوريا حافل بالروابط الأخوية والعلاقات الشعبية والاجتماعية، وهي روابط لا يمكن أن تمحوها الظروف الطارئة لعصابات الجولاني». وأضاف البيان: «إننا نتفهم حق السوريين في التصدي لهذه العصابات التكفيرية للدفاع عن أرواحهم وأرضهم وأعراضهم، ضد الإجرام الوحشي الذي تمارسه مرتزقة الجولاني، التي تعد إبادة جماعية بحق الأقليات ومختلف الطوائف في سوريا».
وبدوره، عد المتحدث باسم كتلة الصادقون النيابية (التابعة لميليشيا العصائب) محمد البلداوي، الصراع السوري إقليميا دوليا يدار بأيدي مجموعة من المرتزقة والعملاء، فيما أكد أن استمرار الحس الطائفي قد يؤدي إلى تقسيم سوريا.
وشبه البلداوي، ما يحصل حاليا في الساحل السوري، بالجرائم التي ارتكبها تنظيم القاعدة في العراق وأفغانستان، والتي راح ضحيتها أعداد كبيرة من المدنيين. واصفا ما يجري في الساحل السوري بالإبادة.
ويذكر أن بعض أتباع الفصائل المسلحة، هددوا عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، باستهداف الرئيس السوري المؤقت احمد الشرع إذا حضر إلى بغداد للمشاركة في مؤتمر القمة العربي المقرر فيها.
رفض شعبي للإساءة للسوريين
وفي مقابل مواقف القوى الشيعية الرافضة للتغييرات في سوريا، فإن القوى السنية والكردية العراقية، رحبت بالنظام الجديد، وسط رفض شعبي للإساءة للسوريين في العراق.
فقد هنأ رئيس إقليم كردستان، نيجيرفان بارزاني، الشعب السوري على الاتفاق الذي تم بين رئيس الجمهورية السورية وقائد قوات سوريا الديمقراطية «قسد»، مشيرًا إلى أن هذا الاتفاق يمثل خريطة طريق ملائمة للمستقبل ومرحلة انتقالية صحيحة. وأكد بارزاني على دعم إقليم كردستان الكامل لأمن واستقرار سوريا، مشددًا على ضرورة الحفاظ على حقوق جميع مكونات الشعب السوري وضمان مشاركتهم الفاعلة في بناء سوريا حرة ومزدهرة.
أما النائب السابق، مشعان الجبوري، فقد ذكر بأن الفصائل المسلحة في العراق، ارتكبت انتهاكات جسيمة في المناطق السنية، واصفا إياها بأنها أكبر من التي حدثت في الساحل السوري.
وقال الجبوري، في لقاء إن «فصائل عقائدية دخلت مناطقنا تحت عنوان التحرير، وتعاملنا معها بإيجابية رغم علمنا بانتماءاتها الطائفية»، مضيفًا أن «تلك الفصائل ارتكبت مجازر مروعة في صحراء الدور، عامرية الفلوجة، والخطفة، فضلًا عن منطقة الرزازة». وكشف عن «وجود تحقيق رسمي سابق، شكله رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي حول هذا الموضوع».
ويتفق المراقبون على أن الموقف الرسمي لحكومة بغداد، إزاء النظام السوري الجديد، اتسم بالتردد والتشكيك والتناقض. نظرا لكون القوى الفاعلة في حكومة السوداني تدار فعليا من قبل الأحزاب والفصائل الشيعية، التي كانت على صلة وثيقة بنظام بشار الأسد. وانعكس ذلك في كون بغداد آخر الدول التي اعترفت بالنظام الجديد في سوريا المجاورة للعراق. كما أن المنافذ الحدودية بين العراق وسوريا ما زالت مغلقة والتبادل التجاري متوقف بينهما، وكذلك السفارة السورية في بغداد المغلقة منذ سقوط النظام السابق.
فيما يرى بعض المراقبين، أن هناك تعاملا مزدوجا من قبل الأحزاب والفصائل، إزاء السوريين أنصار النظام السابق والجديد المقيمين في العراق، وأن مواقف إثارة الكراهية الطائفية من قبل أحزاب وفصائل معروفة، ومهاجمة مؤيدي النظام السوري الجديد، لها صلة بالانتخابات القريبة في العراق، وليست بعيدة عن التهديدات التي أطلقها مسؤولون إيرانيون بهذا الصدد.