لندن ـ «القدس العربي»: يزخر الخيال العلمي بقصص كثيرة عن كيفية سفر البشر عبر الكون لزيارة عوالم بعيدة، وهو ما يشغل بال العلماء والناس عموماً منذ سنوات طويلة، ولكن هذا يظل في إطار الخيال ليس أكثر، حيث إنه حتى مع أحدث الصواريخ والمركبات الفضائية التي توصل لها الإنسان، فقد يستغرق السفر إلى أطراف نظامنا الشمسي معظم عمر الإنسان.
وحسب تقرير نشرته جريدة «دايلي ميل» البريطانية، واطلعت عليه «القدس العربي»، فإن العلماء يقولون إن هناك طريقة تُمكّن البشرية من السفر ملايين السنين الضوئية في ثوانٍ. وهذه الطريقة التي يتحدث عنها العلماء هي بالمرور عبر ثقوب دودية في نسيج المكان والزمان، قد نتمكن من السفر إلى أبعد النجوم بسهولة.
والثقب الدودي، مثل الثقب الأسود، هو بنية تنشأ عندما تكون الجاذبية قوية جدًا لدرجة أنها تُثني نسيج الكون.
وتتنبأ نظريات أينشتاين حول الكون بإمكانية ثني الزمكان بطريقة تُنشئ «جسراً» بين نقطتين مختلفتين في الزمكان.
وصرح البروفيسور ديجان ستويكوفيتش، عالم الكونيات من جامعة بافالو: «نظرياً، لا حدود للمسافة التي يمكننا قطعها بهذه الطريقة. قد تكون نقطتان بعيدتان عن بعضهما مليارات السنين الضوئية على طول الفضاء العادي، وبضع ثوانٍ فقط على طول الثقب الدودي».
ما هي الثقوب الدودية؟
وصرحت الدكتورة أندريا فونت، عالمة الفيزياء الفلكية النظرية من جامعة ليفربول جون موريس بأن «الثقوب الدودية هي أنفاق في نسيج المكان والزمان، يمكنها اختصار المسار الطبيعي بين منطقتين بعيدتين في كوننا».
ووفقاً لأينشتاين، فإن أي جسم ذي كتلة يُشوّه نسيج الزمكان، كما لو كان وزناً يُسقط على لوح مطاطي. وهذه المنحنيات هي ما يُولّد قوة الجاذبية، لكن معادلات أينشتاين تحتوي أيضاً على بعض الحلول الغريبة للغاية عندما تصبح الجاذبية شديدة للغاية.
وعلى سبيل المثال، نعلم أن الثقوب السوداء قادرة على ثني الفضاء المحيط بها تحت تأثير الجاذبية، كما تقول الدكتورة فونت.
ومن حيث المبدأ، يمكن طيّ وثني هندسة الزمكان بطريقة تسمح بإنشاء نفق بين ثقبين أسودين هائلين في أماكن بعيدة، حيث إن الرابط بين هذه النقاط البعيدة هو ما يُطلق عليه العلماء اسم «ثقب دودي». ويُسمى المكان الذي يخرج منه هذا النفق إلى الفضاء بالفم، ويُسمى النفق بالحلق.
ويتكون الثقب الدودي من فمين، يمكن أن يكونا في أي مكان في الكون، وحلق يربط بينهما.
هل يُمكن استخدام الثقوب الدودية للسفر عبر الفضاء؟
من وجهة نظر أينشتاين، الزمكان ليس مسطحاً، بل منحنياً ومتجعداً ومنحنياً بفعل قوى الجاذبية.
ويوضح البروفيسور ستويكوفيتش أن الثقوب الدودية تستفيد من هذه الطيات، فتخترق من نقطة إلى أخرى.
وبدلاً من القيام برحلة طويلة على سطح الزمكان المنحني من نقطة إلى أخرى، يُمكننا ببساطة اتخاذ الطريق المباشر عبر حلق الثقب الدودي.
ولا يهم حتى مدى بُعد الفوهتين في الفضاء التقليدي، فبوجود طيات كافية بفعل الجاذبية، يُمكن أن تكاد تلامس بعضها البعض في الزمكان. ونظرياً، قد يتمكن البشر من استغلال هذه الحقيقة للسفر لمسافات هائلة في ثوانٍ معدودة.
ويقول البروفيسور ستويكوفيتش: «إذا كان حلق الثقب الدودي كبيرًا بما يكفي لاستيعاب مركبة فضائية، فيمكننا استخدام الطريق المختصر الذي يوفره الثقب الدودي».
بشرط وجود فتحة ثقب دودي عند نقطة البداية وأخرى عند نقطة الوصول، يمكنك السفر إلى أي مكان في الكون بسرعة تفوق سرعة الضوء.
كيفية بناء محرك الالتواء
على الرغم من أن هذا رائع نظرياً، إلا أن الجزء الصعب يكمن في إبقاء «الثقب الدودي» مفتوحاً لفترة كافية لعبوره بأمان.
وتوضح الدكتورة فونت: «تنقسم الثقوب الدودية إلى فئتين، بعضها قابل للعبور وبعضها الآخر غير قابل للعبور. ومن بين تلك القابلة للعبور، أي أن المسار بين طرفيها يبقى مفتوحاً، هناك ما هو من غير الممكن دائماً إبقاؤه مفتوحاً لفترة كافية من أجل السفر الفعلي».
وبسبب قوى الجاذبية الشديدة المتضمنة في طيّ الزمكان، تُعتبر الثقوب الدودية غير مستقرة للغاية، ومن المرجح أن ينهار حلقها على نفسه. ولتجاوز هذا، ستحتاج أي تقنية مستقبلية لـ«محرك الالتواء» إلى طريقة لإبقاء فم الثقب الدودي مفتوحًا لفترة كافية لعبوره.
ويقول البروفيسور ستويكوفيتش: «لتوفير الاستقرار، يجب مواجهة قوة الجاذبية ومنع انهيار جدران الثقب الدودي. ولهذا، نحتاج إما إلى كميات كبيرة من الطاقة السلبية، أو إلى نظام مماثل يوفر قوة تنافر لتثبيت الثقب الدودي».
هل الثقوب الدودية حقيقية؟
وفي حين أن الثقوب الدودية ممكنة نظريًا، إلا أن العلماء لا يملكون أي دليل مباشر وملموس على وجودها، حيث قد يكون ذلك بسبب صعوبة اكتشاف الثقوب الدودية، أو ربما لأنها غير موجودة في كوننا.
ولأن الثقوب الدودية غير مستقرة بطبيعتها، يعتقد بعض العلماء أنها لا يمكن أن توجد في الواقع.
وقد دفع هذا بعض العلماء إلى الاعتقاد بأن الثقوب الدودية قد لا تكون أكثر من أداة نظرية مفيدة تساعد في التفكير في معادلات أينشتاين.
ومع ذلك، يطور العلماء الآن أدواتٍ لاكتشاف الثقوب الدودية إن وُجدت، ويشعر البروفيسور ستويكوفيتش بالتفاؤل بأن الأدلة ستصل يوماً ما.