تثير مسألة اختراق الأجواء العراقية تساؤلات حول “اتفاقية الإطار الستراتيجي” الموقعة بين العراق والولايات المتحدة، في وقت تتجه فيه قوى سياسية إلى طرح مسار تعديل الاتفاقية وهو مسار معقد تتداخل فيه الحسابات القانونية والتوازنات الإقليمية وسط تصاعد الحرب الإسرائيلية – الإيرانية.
وتأتي هذه التحركات بالتزامن مع موجة انتقادات برلمانية وحكومية لتكرار خرق الأجواء العراقية من قبل الطائرات والصواريخ الإسرائيلية والإيرانية، في وقتٍ تجد فيه بغداد نفسها الحلقة الأضعف في النزاع المفتوح بين طهران وتل أبيب.
وأكد مصدر مطلع، وجود تحركات يقودها عدد من قوى الإطار التنسيقي لإجراء تعديلات على بنود الاتفاقية، تشمل “إضافة ضمانات واضحة لحماية الأجواء العراقية ومحاسبة الطرفين حال الإخلال بالالتزامات”.
وأشار المصدر، الذي طلب حجب اسمه، أن “التوجه لا يقتصر على تعديل البنود الدفاعية فقط، بل قد تمتد لتشمل صياغة آليات رقابية لمتابعة التزام الولايات المتحدة بتطبيق بنود الاتفاق فعلياً على الأرض، خصوصاً فيما يتعلق بالدعم الأمني وتبادل المعلومات الاستخبارية”.
تحرك نيابي
ويأتي هذا التوجّه في ظل تصاعد الأصوات النيابية المطالبة بتحريك الملف من دائرة التصريحات إلى مسار تشريعي عملي، وسط انتقادات متكررة للحكومة بسبب الاكتفاء ببيانات الشجب والإدانة دون إلزام الجانب الأمريكي بتعهداته. في هذا السياق، أكد النائب عارف الحمامي أن “مجلس النواب العراقي أدان العدوان الصهيوني في جلسة الثلاثاء، على إيران وعلينا اتخاذ موقف موحد داعم لإيران في دفاعها عن سيادتها”.
وأضاف الحمامي، أن “نقاشات جدية جرت داخل البرلمان بشأن اتفاقية الإطار الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، باعتبارها لم تحمِ العراق، بل وقفت إلى جانب إسرائيل”، موضحًا أن “المضي نحو تعديل أو إلغاء الاتفاقية يتطلب تشريعاً ونضجاً سياسيًا وإجماعاً نسبياً بين الكتل، وهو ما يجري التهيئة له حاليا”.
وبموجب اتفاقية الإطار الستراتيجي، الموقعة عام 2008، كان يُفترض أن يلتزم التحالف الدولي بدعم العراق أمنياً وعسكرياً، وتأمين حدوده وأجوائه من أي تهديد خارجي، إلا أن مختصين يؤكدون أن هذه البنود بقي بعضها “حبراً على ورق” مع تكرار الخروقات واستباحة الأجواء.
إجراءات معقدة
ويرى خبراء قانونيون أن تعديل الاتفاقية أو إلغاؤها لا يعد مهمة سهلة، إذ يتطلب إجراءات دستورية متعددة تبدأ من مجلس الوزراء وتصل إلى البرلمان، ثم إشعار الطرف الأمريكي رسمياً.
وقال الخبير القانوني علي التميمي إن “اتفاقية الإطار الستراتيجي بين العراق والولايات المتحدة الأمريكية، الموقعة عام 2008، يمكن إلغاؤها قانونياً، إذ أن المادة الأخيرة من الاتفاقية تمنح كل طرف حق الانسحاب بشرط إبلاغ الطرف الآخر ويصبح نافذًا بعد مرور سنة، وهو شرط مثبت أيضاً في قانون المصادقة رقم 52 لسنة 2008، كما أن نسخة الاتفاقية مودعة لدى الأمم المتحدة بموجب المادة 102 من ميثاقها”.
وأضاف التميمي أن “خطوات الانسحاب تبدأ بقرار من مجلس الوزراء ثم يُرفع إلى البرلمان للتصويت عليه وإلغاء القانون رقم 52 لسنة 2008، بعدها يُبلغ الجانب الأمريكي رسمياً، ليصبح الانسحاب نافذًا بعد عام من تاريخ الإبلاغ”.
ويتزامن هذا الحراك مع استمرار الانتهاكات الجوية لإسرائيل، وتصاعد الغضب الشعبي في الداخل العراقي من هذه الانتهاكات، ما دفعة الحكومة العراقية إلى التمسك بخيار “ضبط الموقف” وعدم الانخراط في أي مواجهة مباشرة خارج الحدود.
ويؤكد متابعون أن أي خطوة لتعديل الاتفاقية تتطلب توافقًا داخلياً وشراكة واضحة مع المجتمع الدولي، حتى لا تتحول إلى ورقة ضغط جديدة تُستخدم في الصراع الإقليمي، بينما تبقى السماء العراقية بلا حماية فعلية.