بغداد ـ «القدس العربي»: تشهد المحكمة الاتحادية العراقية خلافاً حاداً بين رئيسها القاضي جاسم محمد العميري، وأغلب أعضائها، تجسّد بإعلان 6 أعضاء أصلاء من مجموع 9، و3 آخرين من الاحتياط استقالاتهم، لأسباب لم تُعلن رسمياً، غير إن أطرافاً سياسية تتحدث عن «تفرد» رئيس المحكمة بقراراتها، وآخرون يعزون السبب لخلاف حول قضية «خور عبد الله» وترسيم الحدود البحرية بين العراق والكويت.
وفي نهاية الأسبوع الماضي، طلب القاضي العميري من رئيس البرلمان محمود المشهداني، عقد اجتماع موسّع للسلطات الثلاث، وقادة القوى السياسية المنضوون في ائتلاف «إدارة الدولة الحاكم»، بهدف «الحفاظ على هيبة السلطة القضائية» حسب وصفه.
وذكر في نصّ الدعوة: «وحيث أن السلطة القضائية من السلطات الاتحادية، وان الحفاظ على هيبتها وثقة الشعب بها هو واجب وطني ودستوري على جميع السلطات، وحرصاً على استقرار الوضع العام في البلد والالتزام بأحكام الدستور والقانون ومنع صدور قرارات متناقضة، وحيث أن القرارات الصادرة من المحكمة الاتحادية العليا وحسب اختصاصها الدستوري المعني بتنفيذها مؤسسات الدولة، لذلك ندعو جميع السلطات إلى عقد اجتماع وبحضور جميع أعضاء إدارة الدولة وخبراء في الدستور والقانون لمناقشة ذلك، وأن هذه المحكمة على استعداد تام للأخذ بما يتم التوصل إليه بما يضمن التطبيق الصحيح للدستور والقانون والحفاظ على مكانة السلطة القضائية ورصانة قراراتها».
غير أن رئيس البرلمان بادر بالردّ على دعوة القاضي العمري، مؤكداً ضرورة «الالتزام بالمبدأ الدستوري الذي نصت عليه المادة 19 أولاً من الدستور والتي تنص على القضاء مستقل لا سلطان عليه لغير القانون، إذ لا يمكن ان تعرض الاشكالات القانونية أو اختلاف وجهات النظر التي قد تثور بين مكونات السلطة القضائية على غير السلطة القضائية ذاتها، كونها ينبغي ان تحتكم إلى الدستور والقوانين النافذة ذات العلاقة التي تنظم عمل المحاكم، وان الدعوة لهذا الاجتماع يتسيب بتدخلات سياسية قد تمس جوهر استقلال السلطة القضائية الذي شيدهُ الدستور حينما نصت المادة 19/ أولاً منه على ان القضاء مستقل لا سلطان عليه لغير القانون، وأكدت على ذلك وفصّلت فيه المادة 8V من الدستور التي تنص على أن السلطة القضائية مستقلة وتتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها، وتصدر أحكامها وفقا للقانون».
واعتبر المشهداني تداول رئيس المحكمة الاتحادية مع القادة السياسيين في البلاد، بأنه «سبب للتدخل في عمل السلطة القضائية وهو ما لا ينبغي أن يكون في دولة تسعى ان تكتمل فيها صورة دولة المؤسسات والقانون، ولا يسعنا إلا أن تثبت حرصنا ودعمنا الكامل للقضاء العراقي ونسعى جاهدين لترصين هذه المؤسسة ودعم عملها بما يتوافق مع المهام الموكلة لها دستوريا وقانونيا، ونأمل أن تحل الاشكالات بين مكونات هذه السلطة المهمة من خلال مكوناتها ذاتها دون تدخل من خارجها».
ويبدو أن رئيس المحكمة الاتحادية يسعى إلى الاستعانة بالقوى السياسية لحلّ خلاف داخلي يعصف بالمحكمة، التي من المفترض أن تكون مستقلّة وغير خاضعة للمزاج السياسي أو لتأثير بقية السلطات في العراق.
يتزامن ذلك مع إعلان عضو اللجنة القانونية في مجلس النواب، النائب محمد الخفاجي، في بيان «عاجل» ووصفه بـ«الهام جداً»، إن «عدة استقالات قُدّمت من قبل أعضاء المحكمة الاتحادية العليا». وأضاف: «ننتظر التفاصيل والأسباب»، واصفاً ما حدث بأنه «غير طبيعي».
وحسب معلومات أوردها إعلام حزب «الاتحاد الوطني» الكردستاني، استقاها من مصادر قال بأنها داخل المحكمة الاتحادية، فقد قدم 6 أعضاء دائمون و3 أعضاء احتياط في المحكمة الاتحادية، استقالاتهم، احتجاجا على «آلية إدارة المحكمة والجلسات من قبل رئيسها القاضي جاسم محمد العميري، وتفرده في اتخاذ القرارات».
وطبقاً للمصادر فإن الاستقالات «جاء نتيجة تراكم خلافات قديمة بين أعضاء المحكمة الاتحادية ورئيسها، وخاصة قرار سابق للمحكمة بشأن اتفاقية خور عبد الله بين العراق والكويت».
أما عضو اللجنة القانونية النيابية، النائب رائد المالكي، فكشف عن وجود ضغوط وصراعات سياسية دفعت قضاة المحكمة الاتحادية للاستقالة.
وذكر لمواقع إخبارية محلّية، إن «هناك سببين وراء استقالة قضاة المحكمة الاتحادية، أحدهما يعود إلى استمرار الخلاف بين المحكمة الاتحادية ومجلس القضاء الأعلى حول أولوية قرارات المحكمة الاتحادية، وهل تمتلك محكمة التمييز حق مراجعتها وإعادتها، كما حصل في أكثر من مناسبة وحال، فضلاً عن استمرار هذا الخلاف وعدم تدخل أي جهة لحله بعد رفض رئيس مجلس النواب».
وأضاف أن «السبب الآخر المباشر كان هو توجه المحكمة نحو رفض طلبات رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء للعدول عن قرارها السابق بشأن خور عبد الله»، لافتاً إلى إن «المحكمة حددت موعد حسم هذه القضية، وفي هذا الوقت حدث ضغط على القضاة لمنع صدور القرار، وعليه قدموا استقالتهم».
وأوضح أن «الضغط مورس من جهات متعددة، وأن الحكومة ليست بعيدة عن ذلك، وحتى قيادات تحالف إدارة الدولة كانت تريد من المحكمة العدول عن قرارها».
وسبق للنائب المالكي أن أفاد بأن «الحكومة وجهات أخرى تريد للمحكمة الاتحادية أن تكون أداة طيعة بيدها لتنفيذ ما تراه بحجة حماية المصالح العليا»، مؤكداً أن «هذا الوضع لا يمكن السكوت عليه».
واعتبر أن «القيادات الشيعية المتصدية أثبتت فشلها في بناء دولة مؤسسات تحترم سيادة الدستور والقانون»، مشيراً إلى أنه «سيتم التشاور مع بقية النواب لاتخاذ موقف موحد من هذه القضية، التي تمثل سابقة خطيرة».
وبالإضافة إلى جمّلة من القضايا، تنظر المحكمة الاتحادية في دعوى خلافية بين الحكومة ورئاسة الجمهورية من جهة، ومجموعة من النواب، من جهة ثانية، تتعلق بقرار حكومي يقضي بسريان اتفاق عراقي ـ كويتي يتعلق بخور عبد الله وترسيم الحدود البحرية بين البلدين، فضلاً عن قضية أخرى تخص مرتبات الموظفين الأكراد.
في الأثناء، حذر رئيس «المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان» في العراق، المحامي حازم الرديني، من خطورة قبول استقالات قضاة في المحكمة الاتحادية خلال الفترة الراهنة، مع إقبال البلاد على إجراء انتخابات تشريعية في نهاية العام الحالي.
ومن المقرر أن تجرى الانتخابات في 11 تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، وسط استعدادات كبيرة بدأت بها المفوضية، حيث أتمت عملية تسجيل الكيانات السياسية، وما تزال بعملية تحديث بيانات المواطنين.
وقال الرديني في بيان صحافي، إنه «لا يمكن إجراء الانتخابات البرلمانية المقبلة في تشرين الثاني/نوفمبر 2025 من دون وجود أعضاء المحكمة الاتحادية، لأن الدستور العراقي لسنة 2005 نص في المادة 93 / 7 أنه من اختصاص المحكمة الاتحادية المصادقة على نتائج الانتخابات النيابية النهائية».
وأوضح أنه «بذلك سندخل في فراغ تشريعي لانتهاء عمر مجلس النواب بموجب المادة 49 من الدستور، والتي حددت عمره أربع سنوات من تاريخ انعقاد أول جلسة، بمعنى سينتهي في 25 تشرين الثاني/نوفمبر المقبل وتتحول الحكومة إلى تصريف أعمال».
في حين يرى الخبير القانوني أحمد محمد العبادي أن المحكمة الاتحادية العليا «أصبحت معطلة» ولا تستطيع الانعقاد بعد استقالة تسعة من أعضائها، مشيرًا إلى أن المحكمة لا يمكن أن تواصل أعمالها إلا بعد تعيين أعضاء جدد بدل المستقيلين.
وأضاف أن تعيين الأعضاء الجدد يتم من خلال «اختيارهم من قبل رئيس مجلس القضاء الأعلى ورئيس المحكمة الاتحادية العليا ورئيس جهاز الادعاء العام ورئيس جهاز الإشراف القضائي، من بين القضاة المرشحين، وترفع أسماؤهم إلى رئيس الجمهورية لإصدار مرسوم جمهوري بالتعيين، استناداً إلى أحكام المادة 3 البند ثانياً من قانون المحكمة»، مبيناً أن «تعيين القضاة واستقالتهم لا تحتاج إلى موافقة مجلس النواب».
وأشار العبادي إلى أن «القضاء الجدد من حقهم تغيير رئيس المحكمة الاتحادية جاسم العميري»، موضحًا أن «من حقهم التصويت على شخصية بديلة».
وأوضح العبادي أن «المادة 5 البند أولاً من قانون المحكمة الاتحادية العليا رقم 30 لسنة 2005 المعدل، تنص على أن لا يكون انعقاد المحكمة صحيحاً إلا بحضور جميع أعضائها، وتصدر الأحكام والقرارات بالأغلبية البسيطة، عدا الأحكام والقرارات الخاصة بالفصل في المنازعات الحاصلة بين الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم والمحافظات والبلديات والإدارات المحلية، فيلزم أن تصدر بأغلبية الثلثين».