لندن – “القدس العربي”:
نشرت صحيفة “فايننشال تايمز” مقال رأي لفيليب غوردون حذر فيه الرئيس دونالد ترامب من الانجرار وراء أصوات الداعين لتغيير النظام في إيران، وبدلا من ذلك عليه إقناع القيادة في طهران أن خفض التوتر لا يزال ممكنا.
وقال غوردون وهو مسؤول بارز سابق في مجلس الأمن القومي الأمريكي ووزارة الخارجية الأمريكية، إن أسابيع إن لم تكن سنوات ستمضي قبل أن نعرف ما إذا كانت الضربات الأمريكية على إيران يوم السبت “ناجحة للغاية”، كما أعلن الرئيس ترامب بعد ساعات من سقوط القنابل.
فقد أصابت القنابل أهدافها، وربما تكون الضربات قد أعاقت البرنامج النووي الإيراني لأشهر أو حتى سنوات. لكن هذا أبعد ما يكون عن “النجاح” المضمون.
ربما تكون الضربات قد أعاقت البرنامج النووي الإيراني لأشهر أو حتى سنوات. لكن هذا أبعد ما يكون عن “النجاح” المضمون
والسؤال الأكثر أهمية وعلى المدى القريب، هو: هل أُغلق موقع التخصيب تحت الأرض في فوردو فعليا، وإلى متى؟ وما مقدار ما دمر فعليا من مخزون إيران من اليورانيوم عالي التخصيب؟ فقبل الضربات، كانت إيران تمتلك أكثر من 400 كيلوغرام من اليورانيوم عالي التخصيب، ربما مخزنة في حاويات صغيرة نسبيا، ومن المحتمل أنه تم توزيعها في أنحاء البلاد في مواقع تحت الأرض. حتى لو نجا جزء صغير من هذه المواد من الهجوم، فإن إيران لا تزال تمتلك اليوم ما يكفي من المواد الانشطارية لصنع عدة قنابل نووية.
أما على المدى الأبعد، فستتمثل القضية الرئيسية في تأثير الضربات على طموحات إيران النووية. في أفضل الأحوال، ستدرك إيران أن سعيها المستمر منذ عقود لامتلاك سلاح نووي كان له نتائج عكسية كارثية. لكن من المرجح أن يستنتج القادة الإيرانيون أن الأسلحة النووية وحدها كفيلة بحمايتهم، وسيستأنفون قريبا عملية إنتاجها، تماما كما فعل صدام حسين بعد أن قصفت إسرائيل برنامجه النووي الناشئ عام 1981.
وتظل إيران دولة بتعداد سكاني يزيد عن 90 مليون نسمة، وهي ثلاثة أضعاف مساحة فرنسا وتتمتع بخبرة نووية واسعة، ومن المرجح الآن أن تتخلى عن التزاماتها بمنع الانتشار النووي وترفض السماح بعمليات التفتيش.
وبالتالي، يمكنها بسهولة استئناف أنشطتها النووية ما لم تكن الولايات المتحدة وإسرائيل مستعدتين لقصفها بشكل مستمر. ويقول غوردون إن مفتاح نجاح المهمة على المدى الطويل يكمن في تجنب التصعيد العسكري القريب الذي قد يجر الولايات المتحدة إلى مزيد من الحرب ويزيد من احتمالية تجدد برنامج الأسلحة النووية الإيراني.
وكان المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، آية الله علي خامنئي قد هدد الولايات المتحدة بـ”ضرر لا يمكن إصلاحه” إذا دخلت واشنطن الحرب، لكن في الحقيقة، خياراته محدودة للغاية. فقد تدهورت شبكة وكلاء إيران، واستنفدت قوتها الصاروخية الباليستية بعيدة المدى بشكل كبير، ودُمرت دفاعاتها الجوية، مما يجعلها عرضة بشدة للهجمات المضادة الأمريكية أو الإسرائيلية.
ويضيف غوردون أن إيران لا تزال تمتلك ترسانة صواريخ قصيرة المدى، قادرة على استهداف القوات والقواعد الأمريكية في المنطقة، بالإضافة إلى ألغام ومعدات بحرية قد تغلق مضيق هرمز مؤقتا، مما سيلحق الضرر بالغرب من خلال رفع أسعار النفط. لكن معظم هذه الخطوات ستؤدي، على الأرجح، إلى رد أمريكي قوي كما هدد ترامب.
الهدف الرئيسي للنظام هو التمسك بالسلطة، ولهذا السبب سعى في المقام الأول إلى رادع نووي محتمل
ويضيف غوردون أن الهدف الرئيسي للنظام هو التمسك بالسلطة، ولهذا السبب سعى في المقام الأول إلى رادع نووي محتمل. إن الرد بطريقة تجر الولايات المتحدة إلى مزيد من الحرب قد يهدد النظام أكثر من مجرد فقدان برنامجه النووي. ومع ذلك فمن الصعب تخيل عدم رد إيران على الهجمات الأمريكية ضد المنشآت النووية الثمينة. وربما أطلقت المزيد من الصواريخ الباليستية ضد إسرائيل، وربما حثت جماعاتها الوكيلة في اليمن والعراق وسوريا على شن هجمات بصواريخ أو مسيرات ضد القواعد الأمريكية بالمنطقة. وربما ضربت أهدافا إسرائيلية، وحاولت إغراق ناقلة نفط أو الاستيلاء عليها، لإظهار جديتها والحفاظ على بعض المصداقية لدى جمهورها.
ولكن إذا كانت ذكية، فستكون حذرة وستصمم ردها بطريقة تتجنب التصعيد الشامل، تماما كما فعلت في تشرين الأول/أكتوبر الماضي عندما شنت إسرائيل ضربات ضد قنصليتها في دمشق، وثارت إيران وهددت، لكنها اختارت عدم التصعيد أكثر لأن خياراتها كانت بالغة السوء.
وربما اختارت إيران أيضا استراتيجية معاكسة تتمثل في قتل الأمريكيين عمدا وجر الولايات المتحدة إلى الداخل أكثر، على أمل أن تصبح شهية الأمريكيين لحرب مكلفة أخرى في الشرق الأوسط محدودة، وأن تنهض قاعدة ترامب المؤيدة لـ”نجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى” للمعارضة إذا بدأ ثمن الدماء والأموال في الارتفاع.
ولدى ترامب نفسه مصلحة كبيرة في تجنب السيناريو الأخير، ويمكنه المساعدة في ذلك بإرسال إشارات صحيحة إلى طهران. وقد ينصحه البعض بأن السبيل الوحيد للقضاء على الخيار النووي الإيراني هو القضاء على النظام، لكن هذه ستكون الطريقة الأضمن لجر الولايات المتحدة إلى مزيد من الحرب. وبدلا من ذلك، على ترامب أن يخرج خيار تغيير النظام من طاولة النقاش وأن يوضح لقادة إيران أنهم سيدفعون ثمنا باهظا للرد على الولايات المتحدة، مع أن التهدئة، بل وحتى التعاون، لا يزالان ممكنين. إذا اعتقدت القيادة الإيرانية أن “إعلان الحرب” الآن قد يحافظ على حكمها، وربما يمهد الطريق لتخفيف العقوبات لاحقا، فقد تقدم على ذلك نظرا لضعف خياراتها الأخرى.
ويعتقد غوردون أن ضربات ترامب على إيران كانت مقامرة هائلة وغير ضرورية. لكن تحويلها إلى نجاح فعلي سيعتمد على اتخاذ القرارات المصيرية في الأيام القليلة المقبلة.