أعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق، استبعاد أكثر من 250 مرشحاً من السباق الانتخابي المزمع إجراؤه في 11 تشرين الثاني/نوفمبر 2025، بعد ثبوت انتمائهم سابقاً لحزب البعث.
يأتي هذا في وقت تتباين فيه آراء سياسيين وخبراء بشأن دلالات هذا الإجراء، بين من يراه محاولة حقيقية لتطبيق قانون “المساءلة والعدالة”، ومن يعتبره مجرد أداة للابتزاز السياسي والتخويف الانتخابي.
253 بعثياً مستبعداً
ويقول عضو الفريق الإعلامي لمفوضية الانتخابات، حسن هادي زاير أن عدد المتقدمين للترشح في الانتخابات البرلمانية بلغ 7,926 متقدماً، وقد أُغلق باب التقديم بشكل نهائي في 26 حزيران/يونيو الماضي.
ويكشف زاير أن “عدد المستبعدين حتى يوم أمس الأربعاء، بلغ 581 مرشحاً لأسباب متعددة، من بينها وجود قيود جنائية، أو مخالفات لشروط الترشح، ومن ضمنهم 253 مرشحاً مشمولين بإجراءات المساءلة والعدالة”، منوّهاً إلى أن “عدد المستبعدين قد يرتفع، كون عملية التدقيق لا تزال مستمرة”.
وعن موعد انتهاء عملية التدقيق، يوضح أن “القانون الانتخابي لا يحدد مدة نهائية لتدقيق المرشحين، لكن ينص على أن المصادقة على القوائم النهائية يجب أن تكتمل قبل 30 يوماً من موعد الاقتراع”.
ويبيّن أن “المفوضية فتحت باب الاستبدال للمرشحين المستبعدين لمدة ثلاثة أيام، وهو متاح لجميع التحالفات والكيانات السياسية لتقديم مرشحين بدلاء ضمن المهلة المحددة”.
ما وراء الاستبعادات
ورغم التوضيحات الرسمية من مفوضية الانتخابات عن أسباب الاستبعاد، تشير قراءات سياسية إلى أبعاد أعمق للإجراءات، حيث يرى مراقبون أنها تحمل أبعاداً أوسع وأهدافاً غير معلنة.
وبهذا السياق، يرى الباحث في الشأن السياسي، غانم العابد، أن استبعاد هذا العدد الكبير من المرشحين المرتبطين سابقاً بحزب البعث يعكس صراعاً داخلياً داخل البيت الشيعي، وليس حملة جدية لتصفية البعثيين من الساحة السياسية.
ويقول العابد، خلال حديثه للوكالة، إن “مفوضية الانتخابات استبعدت أكثر من 143 مرشحاً من البيت الشيعي، مقابل 92 من المكون السني، و11 من الكوردي، و3 من الأقليات، ما يشير إلى أن النسبة الكبرى من المستبعدين تتبع لقوى ضمن الإطار، وهو ما يُفند مزاعم مواجهة البعث”.
ويستطرد بالقول إن الخطاب المستخدم حالياً هو “محاولة لتخويف الشارع ضمن سياق انتخابي لا أكثر”، لافتاً إلى أن قوى الإطار التنسيقي “لا تمانع من التعاون مع البعثيين إذا كانت هناك مصالح سياسية مشتركة”.
ويمضي العابد في تحليله أن “الاستبعادات الحالية تعكس الصراع بين رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، ورئيس الوزراء محمد شياع السوداني، حيث بدأ الخلاف بمحاولة المالكي تعديل قانون الانتخابات، ليشترط على المسؤولين التنفيذيين ترك مناصبهم قبل 6 أشهر من موعد الاقتراع، بهدف استبعاد السوداني ومحافظين مقربين منه كأسعد العيداني محافظ البصرة”.
وينبه إلى أن “فشل تمرير تعديل قانون الانتخابات أدى إلى تصعيد الحرب السياسية بين الطرفين، وتحولت إلى ما يمكن وصفه بـ(حرب ملفات)”.
ويؤكد العابد أن “وجود البعثيين داخل الإطار التنسيقي ليس أمراً جديداً، بل مستمر منذ عام 2003، والدليل أن بعض الأسماء المستبعدة الآن سبق وأن شغلت مقاعد نيابية في دورات سابقة”، متسائلاً: “لماذا لم يتم استبعادهم حينها؟”.
وبناءً على ذلك، يجد أن “ما يجري حالياً هو صراع سياسي وانتخابي بحت داخل البيت الشيعي، خاصة في ظل غياب (ضابط الإيقاع الإيراني)، الذي كان في السابق يدير التوازن بين أطراف هذا البيت”، على حد قوله.
تخويف لخداع الجمهور
وفي سياق نقدي، يعتبر النائب السابق رحيم الدراجي، أن إجراءات الاستبعاد الأخيرة تأتي في إطار ما وصفه بـ”خدعة انتخابية” تهدف إلى إيهام الجمهور بأن الطبقة السياسية تحارب البعث، فيما هي، بحسب تعبيره، “تستخدم الورقة لابتزاز الناخبين سياسياً”.
ويذكر الدراجي إن “ما يجري من استبعاد بعض المرشحين بدعوى انتمائهم السابق لحزب البعث، هو محاولة لخداع الشارع العراقي بأن الطبقة السياسية تحارب البعث وتمنع عودته، بينما الحقيقة أن البعثيين لا يزالون في مؤسسات الدولة ومصادر القرار”، على حد قوله.
ويضيف أن “هيئة المساءلة والعدالة كشفت عن أعداد كبيرة من البعثيين الذين تم ترشيحهم، بينما القوى السياسية تخاطب الجمهور بشعارات زائفة مثل: (البعث سيعود، وأنتم عليكم المشاركة لمنعه)”.
ويتابع الدراجي أن “هذا الأسلوب يهدف إلى زرع القلق في نفوس المواطنين، وبالتالي دفعهم للمشاركة في الانتخابات تحت تأثير الخوف، وهو ما أصبح سياسة معتمدة لدى بعض الأحزاب”.
ويؤكد أن “ما يجري لا يعكس مواجهة حقيقية مع حزب البعث، بل هو استخدام سياسي وانتخابي لورقة البعثيين لأغراض تتعلق بالمكاسب الضيقة لا أكثر”.
من أعاد البعثيين؟
أما من داخل المشهد السياسي نفسه، فيوجه النائب عن تحالف الفتح، مختار الموسوي، انتقادات حادة للإطار التنسيقي الذي ينتمي إليه، قائلاً إنه “هو من أعاد البعثيين إلى مفاصل الدولة”.
ويخبر الموسوي، بأن “الإطار التنسيقي هو من أعاد البعثيين إلى مفاصل الدولة، والآن يتم استبعادهم من الانتخابات، رغم أن هناك وزراء ووكلاء وزراء ومدراء عامين كانوا منتمين سابقاً لحزب البعث وما زالوا يشغلون مواقعهم”.
ويضيف أن “ما قامت به المفوضية من استبعاد عدد من البعثيين السابقين المرشحين للانتخابات المقبلة هو خطوة جيدة، لكنها جاءت متأخرة، بعد تغلغل البعثيين في مواقع مهمة داخل مؤسسات الدولة”.
ويؤكد الموسوي أن “المطلوب اليوم هو قيام الإطار التنسيقي، الذي يتحمل مسؤولية هذا الواقع، بعملية تصفية شاملة للبعثيين من كل مؤسسات الدولة، وليس من قوائم المرشحين فقط”.
ويختتم الموسوي حديثه بالقول إن “ما يجري حالياً لا يعكس نية حقيقية لإخراج البعثيين من العملية السياسية، فالإطار التنسيقي لا يزال يعمل على تعيينهم، وإجراءات المفوضية تظل غير كافية ما لم تتبعها إصلاحات إدارية جذرية”.