بغداد/المسلة: تفاجأ سكان مدينة السليمانية بمشهد لم يعهده كثيرون، إذ تحوّل مساء الخميس الماضي إلى فجر الجمعة إلى مواجهة مسلحة بين وحدات أمن حكومية وحزبية، قبل أن تتكشف الحقيقة الصادمة بأن الاشتباكات كانت داخلية، بين أبناء عم في عائلة الرئيس العراقي الراحل جلال طالباني، لتصبح المدينة مسرحاً لصراع دموي بين أخوة أعداء على النفوذ السياسي والأمني.
واستدعى أمر القبض الصادر بحق لاهور شيخ جنكي، ابن عم زعيم الاتحاد الوطني الكردستاني بافل طالباني، عملية أمنية محكمة أسفرت عن محاصرة فندق في حي سرجنار، ومقتل ثلاثة أشخاص على الأقل، وإصابة نحو عشرة آخرين، فيما تم اعتقال شيخ جنكي وشقيقيه، وسط حالة استنفار أمني أغلقت مداخل ومخارج السليمانية، في حين ظلت مصير المعتقلين مجهولاً وفق مصادر مقربة من العملية، التي رجّحت تعرضهم لاحقاً لعقوبات سجنية على خلفية اتهامات بزعزعة الأمن.
واستعرضت الأحداث خلفية الصراع المستعصي في الحزب، إذ امتدت جذوره لعقود منذ تأسيس الاتحاد الوطني الكردستاني، حين شارك كل من بافل ولالهور في قيادة وحدات البيشمركة ومكافحة الإرهاب، ثم شهدت العلاقة تصعيداً في عام 2021 عندما تم استبعاد لاهور من رئاسة الحزب، ما دفع إلى تفاقم الانقسامات الاجتماعية والسياسية في السليمانية، وأعطى للصراع طابعاً عائلياً متشابكاً مع مصالح سياسية وأمنية متداخلة.
واستندت مصادر سياسية إلى وجود أبعاد إقليمية ودولية، إذ لم تُخفِ بعض التقديرات احتمال أن تكون المواجهة جزءاً من صراع نفوذ بين القوى الإقليمية في المنطقة، بينما رأى مراقبون أن توقيتها قبيل الانتخابات البرلمانية المقبلة في نوفمبر يعكس تصفية حسابات سياسية متداخلة مع الخلافات العائلية، ما يضع المدينة والإقليم تحت ضغط شديد على صعيد الاستقرار والأمن المجتمعي.
واستجابت الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان ببيانات رسمية شددت على ضرورة احترام سيادة القانون وحماية المدنيين، مؤكدتين أن أي خلافات يجب أن تُحل عبر الأطر القانونية، بينما عبّرت بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق عن قلق بالغ من تبعات الأحداث على المدنيين، داعية جميع الأطراف إلى ضبط النفس وضمان حقوق الإنسان، لتظل السليمانية محور اختبار حقيقي لمتانة مؤسسات الدولة وفاعلية القانون في مواجهة الصراعات العائلية والسياسية.