الوثيقة | مشاهدة الموضوع - التوريث السياسي يتعاظم.. عائلات تعيد رسم المشهد الانتخابي في العراق
تغيير حجم الخط     

التوريث السياسي يتعاظم.. عائلات تعيد رسم المشهد الانتخابي في العراق

مشاركة » الثلاثاء أغسطس 26, 2025 12:13 am

2.jpg
 
محمد العبيدي/ المدى
اندفعت ظاهرة التوريث السياسي إلى واجهة المشهد الانتخابي في العراق قبيل انتخابات 2025، وبدت كأنها تعيد تشكيل قواعد اللعبة على أسس عائلية أكثر منها سياسية، لتفتح الباب أمام جدلٍ لا يتوقف حول غياب مبدأ تكافؤ الفرص واحتكار السلطة داخل نطاق الأسر المتنفذة.
وتعمّقت الظاهرة عبر مختلف المكونات من الجنوب إلى الشمال، حيث تتكرر الصورة في الوسط والغرب والشرق، بما يجعلها حالة عابرة للهويات الطائفية والقومية، لتتحول إلى قاعدة غير مكتوبة تفرض حضورها على العملية السياسية.
وارتبط دخول كثير من الشخصيات الجديدة إلى المعترك السياسي بالعلاقات العائلية والرمزية الاجتماعية، أكثر من ارتباطه بالكفاءة أو التدرج الطبيعي داخل الأحزاب.
وتكشف قوائم الترشح عن أسماء عديدة مرتبطة مباشرة بعائلات سياسية نافذة، حيث يظهر أبناء وأقارب نواب ووزراء سابقين ضمن السباق الانتخابي، ما يوحي بأن السياسة في العراق تتخذ شكلاً عائلياً متوارثاً يعيد إنتاج الوجوه نفسها تحت مسميات جديدة.
إرث سياسي أم إعادة تدوير؟
وتقول أستاذة العلاقات الدولية في جامعة بغداد بسمة الأوقاتي إن "ظاهرة التوريث السياسي ليست مقتصرة على العراق أو على مجتمعات الشرق الأوسط، فهي ممتدة زماناً ومكاناً بحكم عوامل موضوعية"، لكنها تشير إلى اختلاف طبيعتها من بلدٍ إلى آخر.
وتوضح في حديثها لـ(المدى) أن "المشهد العراقي يعكس نماذج سيئة للتوريث، إذ يُقدَّم الأبناء أو الأقارب فجأة ودون إعداد أو كفاءة، فقط للحفاظ على الغنيمة السياسية"، مؤكدة أن "الضعف المريع للحياة الحزبية في العراق، وغياب التجربة المؤسسية، هما ما أنتج هذا النموذج المُنتقَد من الورثة السياسيين".
وترى أن "معالجة الظاهرة لا تكون عبر إنكار حق الوريث في المشاركة السياسية، بقدر ما تكون عبر إعدادٍ مناسب يضع الكفاءة في المقدمة، ويجعل الاستحقاق قائماً على التأهيل لا على القرابة".
ويشير خبراء إلى أن العملية الانتخابية باتت أمام اختبارٍ صعب، إذ يُخشى أن يتحول التنافس إلى إعادة تدوير للنخب العائلية نفسها، ما يعمّق فقدان الثقة الشعبية، ويكرّس عزلة جيلٍ واسع من الكفاءات عن المشاركة الفعلية في القرار السياسي.
غياب البرامج وتعزيز العشائرية
من جانبه، اعتبر المحلل السياسي علي البيدر أن "التوريث السياسي في العراق يبدو طبيعياً في ظل غياب البرامج الاستراتيجية الحقيقية لدى الأحزاب". وقال لـ(المدى) إن "المجتمع العراقي يتقبل هذه الممارسات في الغالب، لغياب المشاريع الجادة التي تقدم حلولاً للمواطنين".
وبيّن البيدر أن "الظاهرة تتحول في العراق إلى ما يشبه (التجارة السياسية)، حيث يعتمد السياسي على نفوذه العائلي بدل الاعتماد على كفاءة حزبية أو رؤية استراتيجية"، مضيفاً أن "كثيراً من القيادات لا تثق بكوادرها الحزبية، خصوصاً في البيئة السنية، ما يدفعها للاعتماد على الأقارب والأبناء لضمان استمرار النفوذ". وأكد أن هذا المسلك يعكس أزمة بنيوية في النظام السياسي، إذ يكرّس هيمنة الأسر ويقوّض مبدأ التداول الحقيقي للسلطة. وتبقى المخاوف قائمة من أن يؤدي استمرار التوريث السياسي إلى إضعاف التجربة الجديدة في العراق، إذ يرى مختصون أن هذا النهج يجعل النظام السياسي العراقي يبتعد تدريجياً عن روح التنافسية، ليقترب أكثر من أشكال الحكم العائلية التي عرفتها المنطقة عبر التاريخ.
ويُخشى أن يرسخ هذا الواقع شعوراً عاماً لدى الناخبين بأن العملية الانتخابية لا تعدو كونها وسيلة لإعادة إنتاج ذات النخب السياسية، حيث تتبدل الأسماء والوجوه لكن النفوذ يظل محصوراً داخل نطاقٍ عائليٍّ محدود، بما يضعف الثقة الشعبية ويؤدي إلى عزوفٍ واسع عن المشاركة.
العناوين الاكثر قراءة









 

العودة إلى المقالات

cron