بغداد – محمد الباسم
بعد مرور 11 شهراً من إجراء الانتخابات التشريعية في إقليم كردستان العراق، ما تزال الأحزاب الكردية عاجزة عن تشكيل الحكومة، بعد أن أخفق برلمان الإقليم لأكثر من مرة في جمع النصاب القانوني للأعضاء الجدد، وتحديداً في الجلسات التي كان يتوقع منها فتح باب النقاش حول تشكيل الحكومة الجديدة، وواجهت الكتل الفائزة في البرلمان شرط الغالبية (النصف زائد واحد) لتشكيل الحكومة، وهو ما لم تحصل عليه أي من قوى الإقليم وأحزابه، بالإضافة إلى الشروط المسبقة لبعض الأحزاب التي تصر على نيل مناصب قيادية دون غيرها، مثل حزب الاتحاد الوطني الذي ظلّ يطالب بمنصب رئيس الإقليم.
وفرضت نتائج الانتخابات في كردستان التي أجريت في 20 أكتوبر/تشرين الأول العام الماضي، واقعاً صعباً، في أن يحقق أحد الحزبين الكبيرين الفائزين، الأغلبية البرلمانية التي تمكنه من تشكيل الحكومة وحده، وهي معادلة النصف زائداً واحداً، أي 50 مقعداً زائد مقعد واحد، في حين أن الأحزاب التي صارت تشكل بيضة القبان، بدت مترددة في الانحياز إلى أحد الفائزين، بسبب ضعف إمكانية الالتزام بتحقيق أهداف الأطراف الملتحقة بالفائزين الكبار، وهو ما يندرج ضمن قلة الثقة بين الأحزاب السياسية، ما أرجأ ولادة الحكومة العاشرة في إقليم كردستان حتى الآن.
وفاز الحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم في الإقليم، ويقوده مسعود بارزاني، بـ39 مقعداً من مجموع مقاعد البرلمان البالغة 100 مقعد، تضاف إليها ثلاثة من مقاعد الأقليات التي فازت بها قوى مقربة منه، بينما يمتلك منافسه حزب الاتحاد الوطني، الحاكم في مدينة السليمانية، بقيادة بافل طالباني، 23 مقعداً، إضافة إلى مقعدين من مقاعد الأقليات. أما حراك “الجيل الجديد” الذي يرفع شعار المعارضة، فقد حصل على 15 مقعداً، يليه حزب الاتحاد الإسلامي الذي حصل على سبعة مقاعد، ثم حزب الموقف الوطني الذي فاز بأربعة مقاعد، وجماعة العدل بثلاثة مقاعد، ومقعدان لحزب جبهة الشعب بقيادة لاهور شيخ جنكي، الذي اعتُقِل مؤخراً بتهم الإخلال بالأمن العام وإثارة الفوضى، ومقعد لكل من حركة التغيير والحزب الاشتراكي.
وتواصل “العربي الجديد”، مع مصادر سياسية مع الحزب الديمقراطي الكردستاني، الحاكم في مدينة أربيل، وأكدوا جميعهم، أن “فشل التوصل إلى اتفاق بشأن تشكيل حكومة الإقليم حصل بسبب تعنت الطرفين الأكبر سياسياً وانتخابياً (الديمقراطي والاتحاد الوطني) بمطالبهما بشأن توزيع المناصب، وقد طالب حزب الاتحاد الوطني بأن يتم احتساب نصف التشكيلة الوزارية، والحصول على منصب رئاسة الإقليم ووزارة الداخلية ونصف التشكيلات العسكرية ومجلس القضاء في الإقليم، وجميع هذه المطالب رفضها الحزب الديمقراطي”، مبينة أن “الاتفاق في النهاية جرى على أن يبقى رئيس الحكومة هو مسرور بارزاني، وتفعيل برلمان الإقليم لكن أحداث مدينة السليمانية واعتقال لاهور شيخ جنكي أرجأ الاتفاقات”.
وأضافت المصادر، أن “حزب الاتحاد الوطني كان قد وعد جمهوره في مدينة السليمانية بالحصول على مناصب مهمة في الإقليم، لكنه اصطدم برفض حزب الديمقراطي، ما أدى إلى تحديث الاتفاق عبر منح قوباد طالباني (النجل الثاني لجلال طالباني) منصب نائب رئيس حكومة الإقليم، لكن بصلاحيات أكبر وأكثر من الحكومة السابقة، وتأجيل البحث في تشكيل الحكومة إلى ما بعد المشاركة في الانتخابات التشريعية في العراق المقرر إجراؤها في نوفمبر المقبل، وتوزيع الوزارات ببغداد بين الحزبين الكرديين ثم الاتجاه إلى تشكيل حكومة الإقليم”، مشيرة إلى أن “تشكيل الحكومة المقبلة في بغداد، وتوزيع المناصب على الحزبين الكرديين سيسهل من عملية تشكيل حكومة الإقليم، وأن الحزب الديمقراطي يريد أن يبقى الاتحاد الوطني حاصلاً على امتيازاته في بغداد، ومن ضمنها منصب رئيس الجمهورية كي يبقى تشكيل الحكومة في أربيل لصالح حزب الاتحاد الوطني”.
وعقد الحزبان الكبيران في الإقليم، أكثر من 15 لقاء مباشراً للتفاهم على شكل الحكومة وبرنامجها، وتقاسم المناصب الرئيسة في الإقليم الذي يتمتع بحكم شبه مستقل عن بغداد، منذ الغزو الأميركي للعراق سنة 2003، إلا أن أي خطوات واقعية تجاه تشكيل الحكومة لم تظهر، وسط دعوات قوى كردية معارضة إلى حل البرلمان، وإعادة تنظيم الانتخابات مرة أخرى. وسبق أن شدد زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، مسعود بارزاني، على أربعة مبادئ أساسية لتشكيل حكومة الإقليم، تتمحور جميعها حول “وحدة الصف”، مؤكداً في كلمة له خلال مؤتمر سابق، أن “حكومة إقليم كردستان المقبلة يجب أن تُشكّل وفق مبدأ الإقليم الواحد والحكومة الواحدة والبرلمان الواحد، مع وجود قوة بيشمركة موحدة، وأنه يجب العمل بجدية على منع الأعمال غير القانونية، مثل معامل إنتاج المخدرات أو الاتجار بها، والإرهاب، وأن تكون السيادة للقانون”.
من جهته، قال القيادي في حزب الاتحاد الوطني الكردستاني أحمد الهركي، إن “تشكيل حكومة إقليم كردستان سيكون بعد تشكيل الحكومة الاتحادية في بغداد، نهاية العام الجاري”، مستكملاً حديثه مع “العربي الجديد”، أن “تأخير تشكيل الحكومات في العراق، بات حدثاً عاماً، وهو صفة سلبية أصابت الأحزاب بسبب الخلافات وتقاسم الحصص والوزارات والهيئات والمناصب الأمنية وغيرها”.
أما الباحث في الشأن السياسي الكردي، ميران سعيد، فقد بيَّن أن “الحزبين الكبيرين والحاكمين في كردستان العراق (حزب الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي) لم يتمكنا في الوصول إلى الأرقام التي تؤهل أحدهما في تشكيل الحكومة، وأن المطالب الصعبة لحزب الاتحاد دفعت الحزب الديمقراطي إلى منع أي حراك لتشكيل الحكومة”، موضحاً أن “الأحزاب العراقية متهمة جميعها بأنها متمسكة بفكرة المحاصصة الحزبية والطائفية والمكوناتية، إلا أن الأحزاب الكردية متمسكة ربما أكثر من بقية الأحزاب بهذا النهج، وعادة ما تصل إلى مراحل عقم الحوارات بسبب هذه المشكلة، وتأخر تشكيل الحكومة العاشرة في الإقليم دليل على ذلك”.