(*) ضربة الدوحة ليست سوى الاختبار الأول.. وسيناريو البلطجة الممنهج لفرض “الشرق الأوسط الجديد”؟
(*) ضوء أمريكي أخضر وموافقة إسرائيلية صريحة على اغتيال القانون الدولي.. فماذا عن رد القيادات والرؤساء والملوك العرب؟
(*) رئيس الكنيست الاسرائيلي: لا عاصمة عربية اليوم بمأمن عن الضربات الاسرائيلية ؟
(*)لماذا فشلت الدفاعات الجوية القطرية بالتصدي لهذا الهجوم او حتى من خلال الاشتباك الجوي مع الطائرات المعادية من خلال القوة الجوية القطرية اين هي الحماية الامريكية لماذا اختفت للتصدي للهجوم المعادي !!؟؟ أين هي مئات المليارات التي تصرف على التسليح هذه الجيوش العربية !!؟ أم أن واجب هذه الجيوش معدة فقط لقمع حرية الراي !!؟
في سابقة خطيرة تُميط اللثام عن وجه النظام العالمي الجديد برعاية الامبراطورية العسكرية الامريكية، لم تتردد طائرات الحربية او المسيرة او حتى الصواريخ الموجهة عن بعد الإسرائيلي بعد الساعة الثالثة وأربعون دقيقة من بعد ظهر اليوم الثلاثاء 9 أيلول 2025 في انتهاك كل الخطوط الحمراء، لتنفيذ غارة جوية على (أرض) العاصمة القطرية / الدوحة، متخفية وراء ذريعة استهداف مسؤولين في حركة حماس. الفعلة ؟ لم تكن مجرد عملية عسكرية اعتيادية، بل هي صفعة مدوية لمفهوم السيادة الوطنية، ورسالة واضحة مفادها أن القوة الغاشمة والبلطجة هي القانون السائد اليوم ، وأن بعض العواصم “أكثر سيادة” من غيرها. الأكثر إثارة للاشمئزاز ليس الجريمة ذاتها، بل الإطار السياسي والقانوني المزيف الذي غُلفت به، بدءاً من الضوء الأخضر الأمريكي ومروراً بـ الموافقة الضمنية لمسؤولين إسرائيليين كبار، وانتهاءً بمسرحية “الاستنكار” الدبلوماسي الذي لن يغير من واقع الأمر شيئاً. ولان الغارة على “الدوحة” لم تكن خطأً تكتيكياً، بل هي في حقيقة الأمر بانه سيناريو مدروس بعناية. إنه نموذج أولي لتجربة رد الفعل العربي والدولي قبل الانتقال إلى المرحلة التالية من استهداف بقية العواصم العربية . الضوء الأخضر الأمريكي والموافقة الضمنية الإسرائيلية لم يأتيا من فراغ؛ إنهما جزء من استراتيجية أكبر تهدف إلى إقرار حق “إسرائيل” المزعوم في ضرب أي مكان، داخل أي حدود، متى شاءت، تحت أي ذريعة. الرسالة واضحة: لم تعد هناك سيادة لأي دولة عربية تعترض المشروع التوسعي الشرق الاوسط الجديد . والسؤال الآن: من ستكون العاصمة التالية؟ الرياض؟ القاهرة؟ عمان؟ أبوظبي؟ بغداد ؟ …. الخ …
الضربة والهدف المعلن (استهداف عناصر حماس) هو مجرد غطاء ليس إلا . ولكن الهدف الحقيقي من هذه الضربة يتمثل بكسر الحاجز النفسي والسياسي والأخلاقي. لقد نجحت “إسرائيل” لسنوات في انتهاك سيادة لبنان وسوريا والعراق واخيرآ إيران دون تكلفة تذكر. الآن، حان وقت اختراق السيادة في عمق دول الخليج العربي ، قلب الثقل الاقتصادي والسياسي العربي. نجاح او فشل هذه الضربة دون ردٍّ رادعٍ حقيقي، سيفتح الباب على مصراعيه لضربات مماثلة في أي عاصمة عربية تدعم فصائل المقاومة أو حتى تنتقد السياسات الإسرائيلية. إنها بلطجة ممنهجة بموافقة دولية. والحديث هنا لا يدور عن “خطأ استخباراتي” أو “تصعيد متبادل”. الأدلة والتصريحات المتسربة من داخل الكيان المحتل تُشير إلى أن هذه العملية نوقشت على أعلى المستويات وتمت الموافقة عليها بشكل جماعي تقريباً. عندما يتباهى مسؤولون إسرائيليون، علناً أو سراً، بعمليةٍ هي في جوهرها عمل إرهابي دولي، فإنهم يرسخون ثقافة الإفلات من العقاب. لكن الشريك الصامت، والأكثر خطورة، هو الإدارة الأمريكية. ذلك “الضوء الأخضر” المتوقع لم يأتِ من فراغ، بل هو جزء من سياسة خارجية تقوم على تفتيت أي معنى للاستقرار الإقليمي العربي، وتقديم الدعم المطلق واللا مشروط لدولة مارقة اصبحت فوق القانون ودون أي محاسبة تتعرض لها.
سيكون رد الفعل الدولي متوقعاً وباهتاً. بيانات استنكار من هنا وهناك، نداءات للتهدئة، وتعبيرات عن “القلق الشديد”. هذه اللغة الدبلوماسية الميتة أصبحت أداة لتبرير الفعل وليس رفضه. إنها تشبه أن تصف الحريق بأنه “دافئ” بينما هو يلتهم منزلاً. هذا الاستنكار الهش هو الضوء الأخضر الثاني للجريمة، فهو يمنحها شرعية الصمت ويحولها من فعل شنيع إلى “حدث إقليمي عادي” يمكن إدارته في أروقة الأمم المتحدة دون عواقب حقيقية تجاه اسرائيل ومن يدعمها.
لننتقل الآن الى اختبار الإرادة من ساحة الجريمة إلى قاعة اجتماعات جامعة العربية. الاجتماع الطارئ وإن وجد سيكون محكوماً بنفس النصاب التقليدي وفي وجه هذا الخطر الوجودي، ولن يكون رد فعل “الجامعة العربية” مفاجئاً لأحد. سيناريو مكتوب ببراعة منذ عقود ومنها الآتي :
*انعقاد طارئ على مستوى المندوبين أو الوزراء وخطاب غاضب يندد بالعدوان وينعي السيادة العربية المنتهكة.
*بيان ختامي هو الأقسى في التاريخ، مليء بـ”الشجب” و”الاستنكار” و”الإدانة شديدة اللهجة” و”التحذير من خطورة التصعيد”.و يحمل نفس العبارات المكررة عن “خطورة التصعيد” و”خطر استهداف الأمن القومي العربي”.
*تهديدات غير واضحة المعالم بـ”اتخاذ إجراءات حاسمة” تبقى حبيسة الأدراج وتشكيل لجنة متابعة… لتبقي الأمور تحت المتابعة إلى الأبد.
هذا “الرد” هو بالضبط ما يُتوقع من المجرم أن يسمعه من ضحيته. إنه ليس رداً؛ بل هو إعلان للاستسلام مسبقاً. وهو إشارة واضحة بأن البوابة مفتوحة على مصراعيها للموجة التالية من العدوان. عندما يكون “الاستنكار” هو أقصى درجات الرد، فإنه يصبح ضوءاً أخضر آخر، بل وأخطر
إن جريمة الدوحة ليست استثناءً، بل هي القاعدة الجديدة. لقد تم اختراق سيادة لبنان وسوريا والعراق واليمن لعقود دون ردّ جامع. اليوم، الامتداد وصل إلى قلب الخليج، إلى دولة هي شريك استراتيجي غربي ومحطة دبلوماسية كبرى. هذه الرسالة موجهة للجميع: لا حصانة لأحد.
السؤال الذي سيواجه كل دولة عربية هو: هل ستتحول الكلمات إلى أفعال؟ هل ستتجرأ الدوحة والقاهرة والرياض وأبوظبي وعمّان على تجاوز مرحلة “الاستنكار” إلى مرحلة فرض تكلفة حقيقية على هذا العدوان؟ المقاطعة الاقتصادية؟ سحب السفراء؟ إعادة النظر في كل اتفاقيات التطبيع بشكل جذري؟ أم أن الرد سيكون مجرد استدعاء السفير ” للتشاور” كإجراء شكلي يليه عودته بعد أيام؟
جريمة الدوحة ليست استثناءً، بل هي القاعدة الجديدة. لقد تم اختراق سيادة لبنان وسوريا والعراق واليمن لعقود دون ردّ جامع. اليوم، الامتداد وصل إلى قلب الخليج، إلى دولة هي شريك استراتيجي غربي ومحطة دبلوماسية كبرى. هذه الرسالة موجهة للجميع: لا حصانة لأحد.
,بينما لا تزال روائح الغبار والدخان متصاعدة في سماء الدوحة، يشتد التوتر في أروقة البيت الأبيض، لكنه ليس توتر ندمة أو ندم، بل هو توتر “علاقات عامة” من طراز رفيع. المهمة ليست الاعتذار عن الموافقة الضمنية التي منحتها الإدارة الأمريكية للعملية، بل هي صياغة سردية تبرر الفعل، وتُطمئن الحلفاء الغربيين المذعورين، وتحاول يائسةً غسل السواد الذي لحق بسمعة واشنطن كضامن مزعوم للاستقرار ولكن كيف سيكون رد البيت الأبيض؟ سيعتمد على عدة ركائز متوقعة:
1. لغة التقنية والأمن القومي :
سيتم تجنب الحديث عن “سيادة قطر” بشكل مباشر ومحترم. بدلاً من ذلك، ستركز اللغة على مصطلحات تقنية باردة تهدف إلى نزع الصفة الأخلاقية عن الفعل وطمس حقيقته. ومصطلحات متوقعة: “ضربة عالية الدقة”، “عملية استخباراتية معقدة”، “استهداف تهديد إرهابي محدق”، “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”. والهدف تحويل النقاش من انتهاك سيادة دولة حليفة إلى نقاش حول “فعالية” العملية العسكرية و “شرعية” الهدف. هو محاولة لجعل العالم يناقش “الشجرة” (هل كان الهدف مهمًا؟) بدلاً من “الغابة” (انتهاك سيادة دولة).
2. التعتيم المعلوماتي والغموض المتعمد :
لن تعترف الإدارة الأمريكية بشكل قاطع بأنها منحت الضوء الأخضر. بدلاً من ذلك، ستلجأ إلى التلميح والإنكار المرن. وعبارات متوقعة: “نحن لا نعلق على العمليات الاستخباراتية حلفائنا”، “التنسيق الأمني مع إسرائيل مستمر وعلى جميع المستويات”، “قنوات الاتصال مع قطر مفتوحة ونقدر شراكتنا الاستراتيجية معها”. والهدف: خلق حالة من “الإنكار القابل للتصديق” للسماح للرأي العام الغربي بتصديق أن واشنطن قد لا تكون على علم كامل، بينما تظل الرسالة واضحة لإسرائيل ودول المنطقة: “مستعدون لتكرار هذا السيناريو”.
3. التلاعب اللغوي وإعادة تعريف “السيادة” وتحاول واشنطن، بوقاحة أحياناً، إعادة تعريف الحدث نفسه لصالحها. وبمقارنة متوقعة: قد يحاول متحدث أن يسأل: “أليست إسرائيل لها الحق في ملاحقة من يهدد أمنها أينما كانوا؟” – وهو سؤال يقلب الأدوار ويجعل المعتدي ضحية والمعتدى عليه (قطر) ملاذاً آمناً للإرهاب! والهدف: تبرير الفعل ليس كخرق للقانون الدولي، بل كتطبيق “مبدأ” جديد وقاسٍ في “حرب مكافحة الإرهاب”. هو تكتيك للتلاعب بالعقل يجعل الضحية تبدو وكأنها المخطئة.
4. تقديم “تعويض” علاقات عامة لقطر : لتهدئة الغضب القطري وإظهار “الاحترام” الشكلي للحليف، قد نرى خطوات مثل: اتصال هاتفي من مسؤول أمريكي رفيع لوزير قطري يؤكد على “متانة العلاقة الثنائية” و “أهمية الاستقرار الإقليمي”. والتأكيد على أن واشنطن “تأخذ مخاوف قطر بجدية”. وربما وعود غير واضحة بمزيد من التعاون الأمني في المستقبل. والهدف: هو كسب الوقت وامتصاص الغضب، وإعطاء الانطباع للدول الغربية أن الأمور “تحت السيطرة” وأن العلاقة مع الدوحة “متينة”, بينما يتم تجنب الاعتذار الحقيقي أو محاسبة إسرائيل. والخلاصة: الرد سيكون أداءً مسرحياً للتبرير وليس تحملاً للمسؤولية.
أن الرد الأمريكي لن يكون موجهاً للضمير العالمي، بل للاستهلاك المحلي والدولي، وخاصة للدول الغربية. ستحاول واشنطن تقديم نفسها كـ “وسيط منضبط” وليس كـ “شريك في الجريمة”. ستقول، بشكل غير مباشر، للحلفاء الأوروبيين: “نحن نتحكم في الموقف، إسرائيل هي حارسنا في مضطرب، وخرق السيادة هو ثمن يجب دفعه أحياناً من أجل أمننا الجماعي”.
هذه السردية ستفشل في إقناع الكثيرين، لكنها قد تنجح في خلق ما يكفي من الغموض والشك لتجنب إدانة مباشرة وواضحة، مما يمكن واشنطن وتل أبيب من المضي قدماً في سيناريو البلطجة هذا، مع إعداد الذرائع للضربة القادمة.
العدوان على الدوحة هو اختبار وجودي للعالم العربي بمؤسساته ودولة. إنه يسأل سؤالاً مباشراً ومحرجاً: هل السيادة العربية هي قيمة مصانة بحدود الدم، أم هي مجرد شعار تُطرح في الخطابات حين يناسب الأمر؟ الرد لن يكون ببيان قوي يُقرأ في مؤتمر صحفي، بل بخطوات عملية تثبت أن كرامة الأمة ليست سلعة قابلة للمساومة. التاريخ لن يتذكر من أدان، بل سيتذكر من فعلَ ما يكفي لوقف البلطجة. اللحظة فارقة، والصمت أو الرد الباهت سيكونان بمثابة دعوة مفتوحة تكرار الجريمة، ليس في الدوحة فحسب، بل في كل عاصمة عربية تليها. وإذا كان الرد هو ذاك البيان “الأقسى” في تاريخ الجامعة العربية، فليستعد الجميع لضربة جديدة. لأن الصامت عن الجريمة شريك فيها، والمتفرج على انتهاك سيادة أخيه هو الضحية بكل تأكيد. المعركة لم تعد عن حماس أو فلسطين فقط؛ بل عن وجود كل دولة عربية واستقلال قرارها.
ويبقى السؤال الأهم والمهم : الطائرات الإسرائيلية لم تكن لتمتلك “عباءة إخفاء” تخولها الطيران لمسافة آلاف الكيلومترات فوق أراضي دول معادية أو محايدة تقليدياً دون أن يتم رصدها واعتراضها. تحقيق ذلك يتطلب أحد السيناريوهات الاقرب للواقع، وكلاهما كارثي بنفس القدر مسار سوريا ثم العراق / والتزود بالوقود فوق أراضيه المباحة دومآ ثم الكويت ثم السعودية للوصول إلى الدوحة منطقة القطيفة !؟.
sabahalbaghdadi@gmail.com