بغداد ـ «القدس العربي»: كشف رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، أمس الأربعاء، عن رغبته في تشكيل الحكومة الجديدة، مشيراً إلى أن التحالف الذي يرأسه «الإعمار والتنمية» مؤهل لحصد أكبر عدد من المقاعد النيابية في الانتخابات التشريعية المقررة في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل. وفيما تحدث عن جهود حكومته في النأي بالبلاد عن الانخراط في الحرب الدائرة في الشرق الأوسط، وخصوصاً حرب الـ12 يوماً بين إسرائيل وإيران، جدد موقف العراق المبدئي من القضية الفلسطينية.
حروب وصراعات وحصار
وذكر السوداني في حوار ضمن مبادرة العراق في مركز «تشاتام هاوس»، عبر تقنية الفيديو كونفرانس، معلّقاً بشأن نجاح العراق في النأي بنفسه عن حرب الـ12، أن «العراق مرّ بعدة مراحل من الحروب والصراعات والحصار والإرهاب وعملية تأسيس لعملية سياسية بعد التغيير في عام 2003، وبالتالي فإن الشعب العراقي دفع ثمناً باهظاً من الأرواح والأموال، مع ضياع فرص كبيرة، أثرت على مجمل مجالات الحياة في البلد، السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وما نواجهه اليوم من تحديات هي نتيجة هذه التراكمات، حيث لا نستطيع أن نفصل محطة عن أخرى. 4 عقود وما زال تأثيرها واضحاً في الساحة العراقية».
وأضاف: «حكومتي بدأت بأولويات، إذ أخذت بنظر الاعتبار هذا الواقع، وماهي آمال وتطلعات أبناء الشعب العراقي، الشعب الكريم والمضحي، واليوم 60٪ من الشعب هم من فئة الشباب وفق آخر تعداد، وبالتالي أولوياتهم هي الأمن والاستقرار والحياة الكريمة والعدالة الاجتماعية، ولذلك اندفعنا بقوة نحو تنفيذ هذه الأولويات والأهداف طيلة عمر هذه الحكومة. في الوقت نفسه استمرت العملية السياسية في حالة من النضج في نظامها النيابي، من خلال أجواء التباني والتفاهم على مختلف المواقف الداخلية والخارجية، كما استمرت الحكومة في منهجها وعلاقاتها القائمة المتوازنة، المبنية على الاحترام المتبادل والمساواة والسيادة، وفتح آفاق الشراكة مع محيطها الإقليمي والدولي».
ووفق السوداني «رغم التقدم والوضوح في المنهج طيلة هذه الفترة، لكن العراق يقع في منطقة مهمة وحساسة، تارة يستفاد من هذا الموقع استراتيجياً، إذ لعب دوراً ريادياً في المنطقة، وتارة أخرى يكون أمام جملة من المخاطر في ظل الصراعات والمحاور، وما حصل بعد 7 أكتوبر. فكان موقفنا واضحاً تجاه هذه التداعيات، سواء ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وهي قضية مبدئية بالنسبة للشعب العراقي. عبرنا عن موقفنا في مختلف المحافل وبيّنا رفضنا الواضح والمستنكر لهذا العدوان وهذه الإبادة وهذه الجريمة».
ومضى يقول: «توالت الأحداث وكان الموقف العراقي واضحاً في مسألة بيان الموقف المبدئي الذي يستند إلى موقف رسمي وشعبي وسياسي، ومدعوم أيضاً من كل المرجعيات الدينية بمختلف الأديان والمذاهب والأطياف»، مستدركاً: «جاءت حرب الـ 12 يوماً التي تمثل انتهاكاً سافراً لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، ومرت الصواريخ والطائرات المسيرة فوق الأجواء العراقية للأسف، في انتهاك للسيادة. كان موقفنا السياسي واضحاً برفض هذا العدوان، وأيضاً بعدم السماح بزج العراق في هذه الحرب».
وطبقاً للسوداني، فإن حكومته بدأت «بجهد دبلوماسي في المنطقة تجاه مخاطر هذه الحرب ومساعي حكومة نتنياهو لإيجاد حرب شاملة في المنطقة، في ظل حالة الاستهتار بكل الأعراف والقوانين والاتفاقيات الدولية ودول المنطقة ذات السيادة»، لافتاً إلى أن «هذا الموقف أيضاً استند إلى موقف وطني من كل القوى السياسية في العراق التي وضعت مصلحة العراق والعراقيين فوق كل اعتبار، ولم تسمح أن يكون العراق ساحة للصراعات أو أن يخوض حرباً بالوكالة، لذلك بُذل جهد كبير في إبعاد بلدنا عن هذه الحرب التي يراد لها تدمير المنطقة وإدخالها في مرحلة من الفوضى والمجهول».
وتحدث أيضاً عن فرصه في الانتخابات التشريعية المقررة في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل قائلاً: «تحالفنا، «ائتلاف الإعمار والتنمية»، يحظى بمقبولية شعبية واضحة تؤهلنا للفوز بأكبر عدد من المقاعد في الانتخابات النيابية المقبلة. وهذه الثقة تأتي مما أُنجز في عمر هذه الحكومة خلال هذه الفترة الزمنية البسيطة، التي استطعنا ولله الحمد أن نستعيد فيها جزءاً من الثقة المفقودة بين الشعب والعملية السياسية والطبقة السياسية والحكومة ومؤسساتها».
قال إن العراق نجح في النأي بنفسه عن حرب الـ12 يوماً… وجدد الموقف المبدئي من القضية الفلسطينية
وزاد: «لأن هذه الحكومة لامست أهم تطلعات واهتمامات المواطنين العراقيين. اليوم، ائتلاف الإعمار والتنمية ائتلاف وطني وواسع يضم كل أطياف ومكونات الشعب، ولديه رؤية واضحة ومشروع ومنجز يؤهله أن يطالب بكل ثقة باستمرار هذا المشروع. ولا أخفي بأنني أسعى إلى تشكيل الحكومة القادمة لكي أستمر في تنفيذ هذا المشروع الذي بدأ يلمسه أبناء الشعب في كل المجالات وعلى مختلف الأصعدة».
وأوضح أن «هذه الانتخابات بالتأكيد هي خطوة مهمة في تعزيز وترسيخ النظام الديمقراطي، وهي تأتي للمرة السابعة، وهذا ما يؤكد على تعزيز نجاح المسيرة الديمقراطية في العراق. هي انتخابات تأتي في موعد دستوري، أي أنها لم تأتِ بضغط من عامل داخلي أو خارجي»، معتبراً أن «الفوز بالانتخابات بالتأكيد يحتاج إلى حوار وتوافق مع باقي القوى السياسية، حتى نشكل ائتلافاً واسعاً يشكل حكومة تقوم بمهامها في ظل التحديات التي تواجه البلد على مختلف الأصعدة. نحن متفائلون بهذه الانتخابات بحكم ما نقدمه من رؤية وبرنامج ومشروع وشخصيات وطنية قادرة على أن تكسب ثقة الجمهور في هذا الاستحقاق النيابي المهم».
وتطرق رئيس الحكومة العراقية إلى الاتفاق النفطي بين بغداد وأربيل والشركات النفطية العاملة في الإقليم، موضحاً أن «العلاقة بين الحكومة الاتحادية والإقليم كانت واضحة طيلة الفترة الماضية، حتى في حالة الاختلاف والتباين في وجهات النظر، كون هذه الاختلافات لم تكن سياسية وإنما فنية وقانونية. هناك قانون الموازنة يلزم الحكومة بتنفيذ فقراته، وهناك قرار للمحكمة الاتحادية أيضاً يلزم الحكومة بعدة نقاط. وبالتالي، لا يوجد قرار سياسي بإيقاف التمويل أو إحداث مشكلة مع الإقليم. فمهم جداً أن نصف أصل المشكلة بأنها مشكلة فنية قانونية وليست مشكلة سياسية».
وفي الجانب الآخر، استدرك السوداني قائلاً: «اليوم نحن معنيون بتطبيق العدالة والمساواة على كل العراقيين. فليس من المقبول أن تلتزم محافظة بتسليم إيراداتها النفطية وغير النفطية، كما هو حال باقي المحافظات، وأن نغض الطرف عن الإقليم عندما لم يسلم إيراداته النفطية وغير النفطية. هذا خلل دستوري وخلل في هذا المبدأ المهم، مبدأ العدالة والمساواة بين أبناء الشعب العراقي».
وأكد أن حكومته «حكومة اتحادية ائتلافية تضم كل مكونات الشعب العراقي، وبالتالي فالمسألة ليست شخصية. كل الملفات تُطرح على طاولة اجتماع مجلس الوزراء وتُناقش. والإخوة الوزراء الكرد موجودون في مجلس الوزراء، وبالتأكيد هم حريصون على الالتزام بالدستور والقانون. بُذل جهد تفاوضي مكثف مع الإقليم ومع الشركات الأجنبية حتى نوضح طبيعة أصل الإشكال الذي أوقف تصدير النفط. بالنتيجة، اليوم الكل رابح من هذا الاتفاق».
وأضاف: «نحن طبقنا الدستور وقانون الموازنة وقرار المحكمة الاتحادية. كذلك حكومة الإقليم اليوم تحظى بالتمويل المطلوب في قانون الموازنة. اليوم في أي حكومة اتحادية وفي أي نظام، هناك حقوق وواجبات. عندما تلتزم الحكومة بتسليم كامل إيراداتها النفطية وغير النفطية، فهذا بالتأكيد يرتب على الحكومة الاتحادية إعطاء الحقوق المتمثلة بالتمويلات المالية. حكومتنا حريصة على أبناء شعبنا في إقليم كردستان، وهذه مسألة شرعية ووطنية وأخلاقية، لا يمكن أن نميز بين موظف يعمل في الإقليم وموظف آخر في الأنبار أو في ميسان».
شفافية
واعتبر أن هذا الاتفاق «سيوفر أرضية مهمة للذهاب إلى تشريع قانون النفط والغاز. هذا القانون المهم الذي يرسم الأدوار بين الحكومة الاتحادية والإقليم والمحافظات. هذا القانون تحتاجه المحافظات أيضاً حتى تعرف دورها على ضوء الدستور الجديد. وبالتأكيد، هذا الاتفاق يعزز الاستثمارات ويحافظ على حقوق الشركات، وبالنتيجة يعزز الاقتصاد الوطني العراقي».
ورأى أن «اليوم هناك شفافية. سابقاً، كان يُنتج من 300 إلى 320 ألف برميل من النفط يومياً، ولا يعلم الجميع، سواء في بغداد أو في الإقليم، أين تذهب هذه الإيرادات، وطريقة تسويق هذا المنتج الذي كان أغلبه يمر عبر قنوات التهريب، وهذا مسيء للعراق وسمعته الدولية، وأيضاً يضرب التزاماتنا أمام منظمة أوبك»، مبيناً إن «هذا اتفاق مهم ويؤسس لمرحلة جديدة تساهم في تعزيز دور القطاع النفطي في العراق، سواء كان في الإقليم أو المحافظات، بالشكل الذي يحافظ على اقتصادنا الوطني وأيضاً يحافظ على العلاقة وفق ما أقره الدستور بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم».