دمشق ـ «القدس العربي»: شهدت محافظة السويداء مواجهات مسلحة بين فصائل محلية وقوات الأمن الداخلي السوري، أسفرت عن قتيل درزي، أعقبت عملية تبادل للمحتجزين بين الطرفين، شملت مدنيين وأطفالا من أبناء المحافظة ومن عشائر البدو.
ويأتي هذا التطور بعد أسابيع من التوترات الأمنية والاشتباكات المتقطعة التي شهدتها المحافظة الجنوبية، في وقت تؤكد فيه الجهات الرسمية أن عمليات الإفراج والتبادل تأتي ضمن جهود الدولة لتثبيت الاستقرار وتعزيز السلم الأهلي، فيما ترى مصادر محلية أنها خطوة محدودة ضمن مشهد أكثر تعقيدا من التوتر والانقسام.
ونقل موقع «الإخبارية السورية» الرسمية، عن مصدر أمني قوله «إن الفصائل المتمردة في السويداء خرقت الهدنة على محور ولغا غربي المحافظة، واستهدفت نقاطاً للقوى الأمنية».
وأوضح أن قوى الأمن الداخلي في السويداء ردت على مصادر النيران واستهدفت مواقع للفصائل المتمردة.
فيما قالت قوات «الحرس الوطني» في السويداء، في بيان إن «بعض المجموعات المحلية من أهالي القرى الغربية تقدمت في المنطقة بدافع استرجاع بيوتهم وأرضهم المحتلة، بسبب الضغوطات الكبيرة مع اقتراب فصل الشتاء».
ودعا البيان «الأهالي للتحلي بالحس العالي بالمسؤولية والالتزام بالهدنة المتفق عليها دولياً»، مشيراً إلى أن «قرانا وبلداتنا عائدة لا محالة وهو حقٌّ لا مساومة عليه، وإن صبرنا فقط لإفساح المجال للحلول السياسية مع الدول الضامنة لاسترجاع حقوقنا كافة». كما أشار إلى أن قيادة الحرس الوطني «لم تصدر أي أمر بالهجوم والتقدم على أي محور وتدعو المقاتلين ورجالنا المندفعين إلى الالتزام الكامل بالهدنة وبنقاط التثبيت والتمركز السابقة».
وحسب صفحة «السويداء 24» تسببت الاشتباكات بمقتل الشاب ربيع هلال مرشد، من أهالي قرية حران في ريف السويداء الغربي.
وذكرت أن مرشد أُسعف إلى المشفى الوطني الليلة الماضية مع 6 شبان آخرين من أبناء القرى الغربية، جرّاء إصابات متفرقة بالرصاص والشظايا، وكانت غالبية الإصابات بين الطفيفة والمتوسطة، باستثناء إصابة مرشد، الذي فارق الحياة في قسم العناية المشددة بسبب خطورة إصابته. المتحدث باسم شبكة أخبار «السويداء 24» ريان معروف قال لـ «القدس العربي» إن «حدة الاشتباكات على المحور الغربي من مدينة السويداء، تراجعت فجر الخميس، مع استمرار سماع أصوات رشقات بشكل متقطع بين الحين والآخر بالرشاشات الثقيلة في عمليات تمشيط ناري»، مشيرا إلى أن «المحاور الغربية للمحافظة لم تشهد أي تغييرات تذكر على واقع خطوط السيطرة» والانتشار بين القوات المحلية وقوى الأمن الداخلي في محيط السويداء.
ودوت انفجارات فجر الخميس، كما سمعت أصوات رشقات نارية متقطعة سمعها أهالي القرى الغربية من محافظة السويداء، دون معلومات عن وقوع إصابات بشرية.
وقال محافظة السويداء مصطفى البكور في تصريحات لقناة العربية: نتطلع لدخول المحافظة قريباً»، مشيراً إلى أنه لا يستطيع الآن تحديد موعد العودة للمحافظة، كما أكد حرص المحافظة على تسهيل مهمة لجنة التحقيق الدولية، مشدداً على أن عدم التعاون مع لجان التحقيق يعرقل عملها.
مصدر أمني أكد أن المتمردين خرقوا الهدنة على محور ولغا
وأضاف: مستعدون للقيام بأي شيء لبناء الثقة بين المحافظة والدولة، مشيراً إلى أن الدولة أثبتت جديتها في محاسبة كل من ارتكب انتهاكات.
وأشار في تصريح آخر إلى أن «فصائل في السويداء رفضت دفع رواتب الموظفين بإشراف الهلال الأحمر»، موضحا أن «هذه الفصائل تهدد بالقتل كل من يسعى إلى التواصل مع الحكومة».
تبادل محتجزين
في سياق متصل، نفذت الحكومة السورية وفصائل محلية في السويداء عملية تبادل للمحتجزين، أفرجت بموجبها الفصائل المسلحة في مدينة السويداء عن 70 مختطفا بينهم ثلاثة أطفال، في حين أفرجت الحكومة عن 35 شخصا بينهم طفل واحد، في وقت قالت مصادر محلية إن المحتجزين كانوا لدى عشائر البدو قبل نقلهم إلى سجن عدرا في ريف دمشق.
وأعلنت وزارة الداخلية عن إفراج الجهات المختصة عن 35 شخصا من أبناء محافظة السويداء، «بعد أن أثبتت التحقيقات عدم تورطهم بأي أعمال غير قانونية»، بحضور بكور، وقائد قوى الأمن الداخلي العميد حسام الطحان، ومدير مديرية الأمن الداخلي سليمان عبد الباقي، وأعضاء لجنة التحقيق الخاصة بأحداث السويداء، وبالتنسيق مع الهلال الأحمر، وذلك في بلدة المزرعة في ريف السويداء الغربي.
وأعلن الطحان تأمين خروج 70 شخصاً من عوائل العشائر والبدو ممن كانوا مختطفين لدى مجموعات مسلحة داخل مدينة السويداء.
وكالة الأنباء الرسمية «سانا» نقلت من جانبها، عن طحان قوله إن «الإفراج عن 35 محتجزاً من أبناء محافظة السويداء، وتأمين قرابة 70 شخصاً من عوائل العشائر والبدو التي كانت مختطفة في مدينة السويداء يأتي ضمن إطار تطبيق القانون وترسيخ الأمن والاستقرار في المحافظة»، مشيراً إلى أن جميع المفرج عنهم خضعوا لإجراءات قانونية دقيقة أثبتت براءتهم، مبيناً أن هذه الخطوة تهدف إلى تهدئة الأوضاع وتعزيز السلم الأهلي مع استمرار متابعة كل من يثبت تورطه في أعمال تهدد أمن المواطنين واستقرار المنطقة.
وأوضح عبد الباقي أن عملية الإفراج عن أبناء محافظة السويداء كانت مقابل 12 شخصا من أبناء العشائر تم الإفراج عنهم في الدفعة السابقة، وذلك ضمن خطوات منظمة لضمان الأمن والأمان وفك التصعيد بعد تنسيق كامل مع الجهات المعنية.
وقال: إن هناك نحو 40 إلى 45 محتجزاً لا يزالون تحت الإجراءات القانونية، مؤكداً أن الدولة هي الضامن الأساسي لحقوقهم وسلامتهم، وإن العمل مستمر لإتمام إخلاء سبيل الجميع وفق القانون والاتفاقات المبرمة بين الأطراف.
و أشار المتحدث الرسمي باسم لجنة التحقيق الوطنية بأحداث السويداء عمار عز الدين إلى أن ما جرى هو عمل تراكمي ضمن جهود الدولة لإرساء الاستقرار في السويداء، حيث الإفراج عن 35 محتجزاً جاء بعد استكمال التحقيقات والتأكد من عدم وجود أي مبرر قانوني لاستمرار توقيفهم.
استقبال المحتجزين
وبين أن عملية الإفراج تمت بالتنسيق الكامل مع وزارة العدل التي بذلت جهوداً كبيرةً لتسريع إجراءات الإفراج، ووزارة الداخلية التي قدمت الدعم اللوجستي اللازم ضمن مقاربة شاملة تهدف إلى طي صفحة التوتر وتعزيز السلم الأهلي في المحافظة، معلنا أن هذه الخطوة ليست الأخيرة بل هي جزء من سلسلة إجراءات تهدف إلى المصالحة المجتمعية وتثبيت الاستقرار في المنطقة.
بثت منصات التواصل الاجتماعي لحظات مؤثرة لاستقبال الأهالي في مدينة السويداء 36 مدنيا بينهم طفل، كانوا محتجزين منذ حوالي ثلاثة أشهر منتصف تموز/يوليو الماضي.
وأعرب منذر الأحمد الذي أفرج عنه بعدما كان محتجزا لدى فصائل السويداء، عن سعادته قائلا: «شعور لا يوصف أن أعود إلى أهلي بعد هذه الفترة من القلق والانتظار، وأشكر كل من ساهم في الإفراج عنا ونأمل أن يتمكن جميع المحتجزين من العودة إلى ذويهم قريباً لتعود المحافظة إلى أجواء الأمن والاستقرار التي نتطلع إليها جميعاً».
كما عبر المفرج عنه سليم عزام لوكالة «سانا» عن فرحته قائلا: «كلنا سوريون ويد واحدة، ونأمل أن تكتمل الإجراءات بسرعة لبقية المحتجزين وأن تنتهي معاناتهم».
وفي إدانة لاحتجاز أطفال من أبناء السويداء، قالت الناشطة السياسية أليس مفرج من أهالي السويداء عبر صفحتها الشخصية على موقع «فيسبوك»: عندما نتحدث عن ازدواجية المعايير، لن نقع في فخها ولن ننكر أي انتهاك يقع على النساء والأطفال واحتجازهم كرُهائن أو أسرى حرب، وضرورة استبعادهم عن أي ابتزاز بوصفهم ورقة تفاوضية من أي طرف كان، لأن الانتهاك انتهاك بغض النظر عن النسبة أو التناسب. أدين أسر الأطفال والنساء من عشائر البدو والحمد لله على سلامة العائلة في قرية صم البردان، من عشيرة الحمود، التي كانت محتجزة لدى فصيل مسلح في السويداء، وأفرح عنهم اليوم.
وأرفقت مفرج منشورها بصورة لطفل من السويداء الذي تم الإفراج عنه أمس بعد ثلاثة أشهر، وصور 3 أطفال من عشائر السويداء ممن أفرج عنهم من قبل مجموعات مسلحة تبسط سيطرتها على مدينة السويداء.
في 19 تموز الماضي، دعت رئاسة الجمهورية جميع الأطراف دون استثناء، إلى الالتزام الكامل باتفاق وقف شامل وفوري لإطلاق النار في السويداء، ووقف جميع الأعمال القتالية فوراً في جميع المناطق، وضمان حماية المدنيين وتأمين وصول المساعدات الإنسانية دون أي عوائق.
وشمل الاتفاق انتشار قوات الأمن الداخلي على الطرق الرئيسة والنقاط الحاكمة، دون الدخول إلى المدن، إضافة إلى افتتاح معابر إنسانية بين محافظتي درعا والسويداء