الجواب المباشر حتى تاريخ كتابة هذه السطور، هو أن هذه التغييرات لم تصبح قانونا بعد، وبالتالي فإن القانون الحالي يظل ساريا على جميع الطلبات حتى صدور قانون جديد يوضح بشكل دقيق من سيشملهم التغيير، وهل سيتضمن القانون الجديد أثراً رجعياً بحيث يشمل من لم يُتِمُّوا فترة السنوات الخمس للإقامة، أم سيشمل فقط المتقدمين الجدد بعد صدور القانون؟
ما هي الإقامة الدائمة «ILR»
تُعرف الإقامة الدائمة أيضا باسم «الاستقرار»، وهي حالة هجرة دائمة تسمح للشخص بالعيش والعمل والدراسة في المملكة المتحدة من دون قيود، ولذلك فهي تمنح شعورا بالأمان والاستقرار على المدى الطويل، إذ لا حاجة لتجديد التأشيرة بشكل متكرر، أو الطلبات المرهقة والمربكة، أو القواعد المتغيرة، أو الرسوم الباهظة.
وباختصار فإنها تنهي حالة عدم اليقين التي تصاحب التأشيرات المؤقتة، ثم تتيح الوصول إلى الأموال والخدمات العامة بنفس الشروط التي يتمتع بها المواطنون البريطانيون.
وتُعدّ الإقامة الدائمة عادةً خطوة أساسية قبل التقدم بطلب للحصول على الجنسية البريطانية. ووفق القانون المعمول به في الوقت الحالي، يمكن لمعظم الأشخاص التقدم بطلب للحصول على الإقامة الدائمة بعد خمس سنوات.
مهاجرون في قطاعات حيوية
المتتبع لهذا المسار من جذب أصحاب الكفاءات العالية إلى بريطانيا يلحظ تضاعف عدد الذين تم استقطابهم مع عائلاتهم خلال السنوات الخمس الماضية، حتى بلغ مجموعها حتى حزيران/يونيو 2025 حوالي 1 مليون و510 آلاف تأشيرة، في مسار الهجرة لذوي الاختصاص المعروف باسم Skilled Worker، وأظهرت الأرقام الرسمية أنه تم في العام 2020 منح 60 ألفاً تأشيرة، ثم تضاعف العدد في العام 2021 ليبلغ 150 ألف تأشيرة، وواصل صعوده في العام 2022 فبلغ 250 ألف تأشيرة، ثم 300 ألف عام 2023، وزاد بعدها إلى 350 ألف تأشيرة عام 2024 حتى استقر على 400 ألف تأشيرة حتى حزيران/يونيو عام 2025.
من الصحة حتى الذكاء الاصطناعي
وفقا للبيانات الرسمية، تتركز معظم تأشيرات العمال المهرة في المملكة المتحدة في القطاعات التالية:
أولا: قطاع التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والعلوم الحياتية، وتشمل مجالات مثل البرمجة، تحليل البيانات، الذكاء الاصطناعي، والهندسة السحابية. تستمر هذه القطاعات في جذب العمال المهرة، خاصة في المدن الكبرى مثل لندن وكامبريدج.
ثانيا: قطاع الرعاية الصحية، حيث يظل قطاع الرعاية الصحية أكبر قطاع يستقطب العمال المهرة، بمن فيهم من الأطباء، الممرضين، والفنيين الطبيين. تستمر الحاجة إلى المتخصصين في الرعاية الصحية بسبب شيخوخة السكان في المملكة المتحدة وزيادة الطلب على الخدمات الصحية.
ثالثا: قطاع الهندسة والتصنيع المتقدم والبناء، وتشمل هذه القطاعات الهندسة المدنية، الهندسة الكهربائية، تصنيع الطائرات، والطاقة المتجددة، إذ تستمر هذه الصناعات في النمو وتحتاج إلى مهارات متخصصة.
رابعا: قطاع التعليم الأكاديمي، حيث تستقطب الجامعات والمؤسسات التعليمية في المملكة المتحدة الأكاديميين والباحثين من جميع أنحاء العالم، خاصة في مجالات العلوم، والتكنولوجيا، والهندسة، والرياضيات.
خامسا: قطاعات المالية والخدمات المهنية، وتشمل المحاسبة، الاستشارات، التحليل المالي، والتخطيط الاستثماري، إذ تستمر هذه القطاعات في جذب العمال المهرة أصحاب الاختصاص من الخارج بسبب قوة القطاع المالي في المملكة المتحدة.
ماذا يعني مسار 5 سنوات؟
هناك مسارات متعددة للفترة المؤهلة للحصول على الإقامة الدائمة في بريطانيا من بينها فترة السنوات الخمس لأصحاب الكفاءات العالية (العمالة الماهرة).
وعبر هذا المسار يتعين على المهاجرين إثبات معرفتهم باللغة الإنكليزية من مستوى B1 وهو يعادل الامتحان الدولي البريطاني في اللغة المعروف باسم ILETS ثم الحصول على تأشيرة صالحة للعمل والإقامة تستند إلى كفالة وعقد عمل من إحدى الشركات أو المؤسسات…، ثم الانتقال للعمل في المملكة المتحدة والخضوع لجميع الأنظمة بما فيها دفع الضرائب والتسجيل في نظام الرعاية الصحية وغيرها، وإثبات «الإقامة المستمرة»، على مدى تلك السنوات وهي أي الفترة التي يجب أن يقضونها داخل المملكة المتحدة، ولا يحق لهم الخروج منها لأكثر من 180 يوما خلال كل 12 شهرا، بينما تكون تأشيراتهم أو تصاريح إقامتهم وعقود عملهم سارية المفعول، من دون انقطاع طويل.
المهاجرون مصدر للخزينة البريطانية
على مدار السنوات الخمس التي تسبق الحصول على الإقامة الدائمة، فإن المهاجرين من ذوي الكفاءات العالية هم مصدر هام لدعم الخزينة العامة في بريطانيا.
فخلال تلك المدة من العمل ودفع بدلات التأشيرات والضرائب لا يحق للمهاجرين الاستفادة من أي تقديمات (مساعدات) حكومية.
وتتأتى مصادر الدخل للخزينة من المهاجرين القانونيين أصحاب تأشيرات العمالة الماهرة من عدة جوانب ومنها :
-بدلات رسوم التأشيرات الأولى (3874 باوند حتى ثلاث سنوات) وثم يتم تجديدها لسنتين.
-الضرائب التصاعدية على الراتب وتتراوح ما بين 20 إلى 40 في المئة استنادا إلى عتبات محددة في القانون.
-ضريبة المجلس البلدي في النطاق الجغرافي لمقر السكن، والضرائب الأخرى مثل بدل مشاهدة الأجهزة التلفزيونية على أنواعها.
-بدلات تكاليف المعيشة (إيجارات المنازل، الحاجيات اليومية المأكل والملبس، فواتير المياه والكهرباء والغاز والنقل وغيرها).
ولتوضيح الصورة أكثر فإن تكلفة الضرائب والمعيشة السنوية لأسرة مهاجرة (قانونيا) ومؤلفة من أربعة أشخاص في لندن لا تقل عن خمسين ألف دولار كل عام، أي أن مثل هذه العائلة ستصرف في البلد ما مجموعة 250 ألف دولار خلال خمس سنوات، من دون أن تستفيد من أي تقديمات أو مساعدات حكومية.
ولا يتغير الحال إلا بعد الحصول على الإقامة الدائمة، وفي حال نجاح طلب الإقامة يصبح المهاجر متمتعا بمزايا عديدة منها الإقامة من دون كفيل وبدون تجديد، والوصول إلى التقديمات الحكومية (مثل مساعدة في السكن أو المصروف وغيرها…).
متطلبات الإقامة الدائمة
ولكن قبل ذلك يتوجب دفع بدلات طلب الإقامة الدائمة ويتم ذلك كالتالي:
1-يتم الإيفاء بكل المتطلبات القانونية المذكورة أعلاه، ويضاف إليها شرط النجاح في الاختبار الرسمي (المدفوع الثمن) عن «الحياة في المملكة المتحدة» المعروف باسم Life in the UK Test، وهو يشمل أسئلة عامة عن تاريخ وحاضر بريطانيا وقوانينها وأعلامها ومؤسساتها (البرلمان، مجلس العموم، الحكومة، المحاكم و….).
2-الزامية أثبات المعرفة باللغة الإنكليزية للمرتبطين بصاحب الملف الأصلي (الزوجة/الزوج، والأولاد ما فوق سن 18 عاما).
3-يتم التقدم بطلب الإقامة الدائمة ويصبح التقديم متاحا قبل 28 يوماً وما يليها من موعد اتمام السنوات الخمس، مصحوبا بكافة المستندات المطلوبة (العمل، دفع الضرائب، شهادة اللغة…).
4-يتم دفع رسوم البدل المالي عن كل طلب وتبلغ حالياً 3029 باوند للفرد الواحد، ويأتيه الجواب بالقبول أو الرفض في فترة تمتد لستة أشهر، لكن يمكنه الحصول على الإجابة خلال خمسة أيام عمل لكن شريطة أن يدفع بدلا إضافيا يبلغ 500 باوند ليصبح المجموع 3520 باوند عن كل طلب أي ما يعادل 4640 دولارا أمريكيا للطلب الواحد.
وهنا أترك لكم حساب العائد المالي الذي ستجنيه خزينة الدولة تباعا عن طلبات الإقامة الدائمة لـ 1.510.000 مهاجر قانوني يقيمون حاليا في المملكة المتحدة وهم من ذوي الاختصاصات العليا.
التغييرات المرتقبة
المقصود بتلك التغييرات التي لم تصبح قانونا حتى الآن، حتى موعد إقرارها رسميا، تتمثل في ما جاء في «الورقة البيضاء» التي أعلنتها الحكومة البريطانية بقيادة كير ستارمر في أيار/مايو 2025، حيث اقترحت لأول مرة مضاعفة فترة مسار الاستقرار (الإقامة الدائمة) لذوي المهارات العالية من خمس إلى عشر سنوات.
وقد أوضحت وزيرة الداخلية شبانة محمود مزيدا من التفاصيل حول كيفية تطبيق ذلك عملياً في كلمتها التي ألقتها خلال مؤتمر حزب العمال في 29 أيلول/سبتمبر 2025، مع التشديد أن التغييرات المرتقبة ستخضع لاستشارات وهي لم تدخل حيّز التنفيذ بعد.
المساهمة أساس الاستقرار
وضعت وزيرة الداخلية نموذجا جديدا يسمى «نموذج الاستقرار القائم على المساهمة»، حيث يمكن للشخص أن «يكسب» تقليصاً في عدد السنوات التي يتعين عليه انتظارها قبل التقدم بطلب للحصول على الإقامة الدائمة.
ومن أمثلة المتطلبات التي قد تُطبّق: العمل المنتظم، ودفع التأمين الوطني (الصحي)، وعدم المطالبة بالمساعدات الحكومية، ورفع مستوى إتقان اللغة الإنكليزية من مستوى B1 إلى مستوى B2 والسجل الجنائي النظيف، و«المساهمة» في المجتمع.
وفي المقابل، قد يُطلب من أشخاص آخرين الانتظار لفترة أطول للتقدم بطلب الإقامة الدائمة أو قد يُمنعون من التقدم نهائيا.
استثناءات
وهناك بعض الاستثناءات الصريحة من هذا التغيير، تشمل:
• الشركاء للمواطنين البريطانيين (مثل الزواج أو المساكنة).
• الأشخاص الذين حصلوا على إقامة بسبب تعرضهم للعنف المنزلي.
هؤلاء سيظلون قادرين على التقدم بطلب للحصول على الإقامة الدائمة بعد خمس سنوات.
كما سيحافظ الأشخاص الحاصلون على وضع بموجب نظام تسوية الاتحاد الأوروبي المعروف باسم EU Settlement Scheme على حقهم القائم في الحصول على الإقامة الدائمة بعد خمس سنوات.
أسئلة مشروعة
لكن التفاصيل لم تتضح بعد، ولذلك تثار جملة من الأسئلة التي ستجيب عليها الحكومة لاحقا عند الوصول إلى مرحلة إصدار التغييرات، ومن تلك الأسئلة:
• كيف يمكن للمهاجرين «كسب تخفيض» في فترة العشر سنوات قبل التقدم بطلب الإقامة الدائمة؟
• ما المعايير التي ستسمح للشخص بالتقديم في وقت أبكر (مثل نوع المساهمة المطلوبة ومدة تقديمها)، وما المستندات التي ستكون مطلوبة؟
•من هم الأشخاص الذين سيُمنعون من التقدم للإقامة الدائمة أو سيُطلب منهم الانتظار فترة أطول؟ وما أسباب هذه القرارات؟ وكيف يمكن للمهاجرين الاعتراض عليها ومراجعتها؟
• هل ستُطبّق فترة العشر سنوات المقترحة على الأشخاص الموجودين حالياً في المملكة المتحدة بموجب مسار السنوات الخمس؟ أم ستُطبق فقط على الوافدين الجدد أو على طلبات الإقامة الدائمة المقدمة بعد تاريخ التنفيذ؟
• وهل ستكون هناك ترتيبات انتقالية للأشخاص الذين هم في طور التقديم عندما يبدأ تنفيذ المقترح؟
• كيف ستُعرّف وزارة الداخلية مصطلحي «المساهمة الإيجابية» أو «عدم الامتثال»؟
• ما الذي سيُعتبر مساهمة – مثل مستوى الراتب، أو مدفوعات التأمين الوطني، أو ساعات التطوع – وما الذي سيُعتبر عدم امتثال، مثل تلقي المساعدات الاجتماعية أو وجود فترات انقطاع في العمل؟
• كيف ستُطبّق الاستثناءات على الأشخاص الذين لا يستطيعون العمل أو التطوع، مثل ذوي الإعاقة، أو أولئك الذين لديهم مسؤوليات رعاية طويلة الأمد، أو يواجهون عوائق أخرى؟
ما هو الواقع الحالي؟
ذكرت الحكومة أن المقترحات ستخضع لمشاورة عامة في وقت لاحق من هذا العام.
وهذا يعني أنه لم يتم سن أي قانون جديد، وأن القواعد الحالية المتعلقة بالإقامة الدائمة لا تزال سارية في الوقت الراهن.
خلال المشاورة المرتقبة، ستدعو الحكومة الأفراد والمنظمات إلى مشاركة آرائهم وتجاربهم وأدلتهم قبل اعتماد أي سياسة جديدة. وسيتم نشر التفاصيل لاحقا.
وكانت الحكومة البريطانية تلقت عريضة موقعة من أكثر من 140 ألف شخص، تدعوها إلى الإبقاء على المسار الحالي البالغ خمس سنوات للحصول على الإقامة الدائمة لحاملي تأشيرات العمال المهرة (Skilled Worker)
الهدوء المطلوب
في ظل كل هذه المعطيات يبدو أن الهدوء سيبقى الخيار الأفضل بعيدا عن الأخذ بالشائعات أو المنشورات غير الرسمية، وينبغي لكل المهاجرين القانونيين المعنيين أن يستمروا في متابعة أوضاعهم القانونية، بما فيها صلاحية الإقامة، وتقدّيم طلبات التمديد لها في الوقت المحدد، مع أخذ المشورة القانونية إذا لم يكن الشخص متأكداً من الخطوات المقبلة.
وبالنسبة للطلبات التي تم تقديمها فسيتم البتّ فيها وفقا للقواعد القانونية السارية حاليا، وإذا كان الشخص سيصبح مؤهلاً عما قريب لتقديم الطلب، فمن المستحسن الاستعداد وتجهيز كافة المستندات، وعدم التأخير في الخضوع لاختبار «الحياة في المملكة المتحدة»، أو الحصول على شهادة اللغة الإنكليزية المطلوبة للمرافقين (المُعالين).
المصلحة المشتركة
جميع المهاجرين القانونيين أصحاب الكفاءات العالية ينشدون بلوغ حالة «الاستقرار» عبر نيلهم الإقامة الدائمة وفق مسار السنوات الخمس التي جاؤوا على أساسها إلى البلد، لأنهم يعملون في اختصاصاتهم ويدفعون الضرائب ويساهمون في إنعاش الاقتصاد.
ولذلك فإن أي تغيير في الشروط التي جاؤوا على أساسها سيعتبر- برأيهم – نقضاً للقوانين السابقة التي وثِقوا بها ونظّموا خطط حياتهم مع عائلاتهم على أساسها، فانتقلوا للعمل في المملكة المتحدة في قطاعات حيوية جدا قد تصاب وإياهم بالضرر إذا قرروا تركها في حال شمولهم بالتغييرات المرتقبة.
بناء على هذه المعطيات فإن هناك مصلحة مشتركة بين بريطانيا والمهاجرين القانونيين أصحاب الكفاءات.
فقوانينها الجديدة ستؤثر سلباً أو إيجاباً في أوضاعهم، تماماً كما ستؤثر ردة فعلهم سلباً أو أيجاباً في الاقتصاد البريطاني، وهذا ما يفترض أن تتسم القرارات الجديدة بالتدبير، لوقف حالة التهويل التي يشعر بها مئات الآلاف من المعنيين بأمر الحصول على الإقامة الدائمة وبلوغ مرحلة الاستقرار، تمهيدا لحصولهم لاحقا على الجنسية البريطانية.
