لندن ـ «القدس العربي»: خلص علماء مختصون في الفضاء والفلك ويقومون بدراسة الظروف على سطح كوكب المريخ إلى أننا بحاجة إلى منطقة زمنية جديدة كلياً هناك، حيث أن الزمن أسرع مما هو لدينا على كوكب الأرض.
ويعود ذلك إلى أن توقيت الساعات على الكوكب الأحمر سيكون أسرع بـ477 ميكروثانية من توقيت الساعات على الأرض يومياً.
وقال تقرير نشرته جريدة «دايلي ميل» البريطانية، واطلعت عليه «القدس العربي»، إن الفرق في التوقيت يبدو ضئيلاً جداً، إلا أنه سيُحدث تأثيرات كبيرة على المدى الطويل، حيث يتقدم المريخ على الأرض بمقدار 1.7 ثانية كل عقد، وفقاً لفيزيائيين من المعهد الوطني الأمريكي للمعايير والتكنولوجيا «NIST».
وهذه الحقيقة الغريبة هي نتيجة لقوانين النسبية العامة لأينشتاين، التي تُظهر أن الوقت لا يتحرك بنفس المعدل في جميع أنحاء الكون.
ويتقدم الوقت ببطء في المناطق التي تكون فيها الجاذبية قوية، وأسرع في المناطق التي تكون فيها قوة الجاذبية ضعيفة.
وعلى المريخ، حيث الجاذبية أضعف بخمس مرات من الجاذبية على الأرض، يعني هذا أن رواد الفضاء سيتقدمون في العمر أسرع قليلاً من أصدقائهم في الوطن، أي على كوكب الأرض.
وعلى الرغم من أن الفرق لا يتجاوز جزءاً من الألف من الوقت الذي تستغرقه رمشة عين، إلا أنه قد يُلحق ضرراً بالغاً بأنظمة الاتصالات والملاحة في المستعمرات المريخية.
ويقول الدكتور بيجوناث باتلا، المؤلف المشارك في الدراسة والفيزيائي في المعهد الوطني للمعايير والتكنولوجيا: «مثل أنظمة الملاحة العالمية الحالية مثل نظام تحديد المواقع العالمي «GPS»، ستعتمد هذه الأنظمة على ساعات دقيقة».
وعلى الرغم من أن العلماء يدركون قوة جاذبية المريخ على سطحه، إلا أن فهم كيفية تأثيرها على مرور الوقت ليس بالأمر السهل.
ويعود ذلك إلى تأثر المريخ بشدة بجاذبية كواكب النظام الشمسي الأخرى.
وعلى عكس الأرض والقمر، اللذين يدوران حول الشمس في شكل دائري، فإن بُعد المريخ عن الشمس وجيرانه، بما في ذلك كوكبي الغاز العملاقين المشتري وزحل، يجعله في مدار أكثر بيضاوية.
وهذا يعني أن مقدار الجاذبية التي يتعرض لها يتغير بشكل كبير على مدار العام.
ويقول الدكتور باتلا: «مشكلة الأجسام الثلاثة معقدة للغاية. الآن نتعامل مع أربعة: الشمس، والأرض، والقمر، والمريخ». وأضاف: «بُعده عن الشمس ومداره اللامركزي يجعلان التغيرات في الوقت أكبر».
وفي عام واحد، تغير جاذبية الكواكب المجاورة سرعة دقات الساعات على المريخ مقارنةً بالأرض بما يصل إلى 226 ميكروثانية في اليوم.
وبالمقارنة، توصل الباحثون سابقاً إلى أن ساعات القمر تدق أسرع باستمرار بحوالي 56 ميكروثانية في اليوم من ساعات الأرض.
وقد لا يبدو هذا مشكلة كبيرة للوهلة الأولى؛ ففي النهاية، سيستغرق الأمر أكثر من 344 عاماً حتى تتقدم ساعات المريخ على ساعات الأرض بدقيقة واحدة فقط.
ولكن، كما يشير الباحثون، حتى التغييرات الطفيفة في ضبط الوقت تسبب مشاكل كبيرة لمعدات الاتصالات والملاحة الحساسة.
وعلى سبيل المثال، تحتاج شبكات الجيل الخامس إلى المزامنة بدقة تصل إلى عُشر ميكروثانية. وبالمثل، تعمل أنظمة تحديد المواقع العالمية «GPS» عبر الأقمار الصناعية عن طريق قياس الوقت الذي تستغرقه إشارات الأقمار الصناعية المتعددة للوصول إلى جهاز الاستقبال، وهذا يعني أنه إذا أردنا أنظمة اتصال وملاحة متوافقة بين الأرض والمريخ، فمن الضروري أن نتفق على التوقيت.
ومع أن هذه ليست مشكلة في الوقت الحالي، إلا أنها قد تصبح أكثر إلحاحاً في المستقبل، عندما تبدأ أولى المستعمرات المريخية بالتشكل.
ويقول الدكتور باتلا: «قد تمر عقود قبل أن تُغطى آثار المركبات الجوالة المتجولة سطح المريخ، ولكن من المفيد الآن دراسة القضايا المتعلقة بإنشاء أنظمة ملاحة على الكواكب والأقمار الأخرى».
نظرية النسبية العامة
في عام 1905 أثبت عالم الفيزياء ألبرت أينشتاين أن قوانين الفيزياء ثابتة لجميع المراقبين غير المتسارعين، وأن سرعة الضوء في الفراغ مستقلة عن حركة جميع المراقبين، وهي ما يُعرف بنظرية النسبية الخاصة.
وقدّم هذا العمل الرائد إطاراً جديداً للفيزياء، واقترح مفاهيم جديدة للمكان والزمان. ثم أمضى عشر سنوات يحاول تضمين التسارع في النظرية، لينشر أخيراً نظريته في النسبية العامة عام 1915.
وأكدت هذه النظرية أن الأجسام الضخمة تُسبب تشوهاً في الزمكان، يُشعر به كجاذبية. وفي أبسط صوره، يُمكن تصوره كقطعة مطاطية عملاقة في مركزها كرة بولينج. وعندما تُشوّه الكرة القطعة، يُثني كوكب نسيج الزمكان، مُولّداً القوة التي نشعر بها كجاذبية، أي جسم يقترب من الجسم يسقط نحوه بسبب هذا التأثير. وتنبأ أينشتاين بأنه إذا التقت جسيمان ضخمان، فسيُحدثان تموجاً هائلاً في الزمكان، بحيث يُمكن رصده على الأرض. وقد تجلى ذلك مؤخراً في الفيلم السينمائي الناجح «بين النجوم»، حيث في مقطعٍ من الفلم شهد زيارة الطاقم لكوكبٍ وقع في قبضة جاذبية ثقب أسود ضخم، تسبب هذا الحدث في تباطؤ الزمن بشكل كبير. ولم يتقدم أفراد الطاقم على الكوكب في العمر تقريباً، بينما كان من كانوا على متن السفينة أكبر سناً بعقود عند عودتهم.