الوثيقة | مشاهدة الموضوع - توازن هش في أسواق النفط والغاز يضغط على الأسعار إلى ما دون 60 دولارا للبرميل
تغيير حجم الخط     

توازن هش في أسواق النفط والغاز يضغط على الأسعار إلى ما دون 60 دولارا للبرميل

القسم الاخباري

مشاركة » الأحد ديسمبر 14, 2025 5:27 am

5.jpg
 
حافظت أسواق النفط العالمية بصعوبة على مستويات الأسعار عند أعلى من 60 دولارا للبرميل، وهو الحد الأدنى للتقديرات على مدار العام، لكن متوسط أسعار خام القياس الأمريكي «ويست تكساس» هبط تحت حاجز الـ 60 دولارا في أواخر العام، وسط ضغوط شديدة جيوسياسية وبيئية وتكنولوجية، مسجلا 58 دولارا. وتحركت الأسعار على مدار العام داخل نطاق يعادل 25 في المئة من متوسط السعر في بداية العام. لكن الاتجاه العام كان إلى هبوط مستمر. وفي هذا السياق تعرضت أسواق النفط لعوامل متضاربة وسط محاولات من أوبك لتوفير مستويات سعرية مستقرة ومستدامة لخدمة أهداف التنمية، وضغوط أمريكية من أجل تخفيض المستوى العام للأسعار. ويعتقد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أن تحقيق الانتعاش الاقتصادي يحتاج إلى سعر بترول منخفض في الأسواق العالمية، ضمن سلة من المعطيات الإضافية تصل إلى إشعال حرب تجارية ضد منافسي الولايات المتحدة وعلى رأسهم الصين. وربما يشهد عام 2026 تفاهما أمريكيا-سعوديا بشأن توفير مستوى أسعار أقل عما كان عليه في العام الحالي. وفي أسواق الغاز وصل هامش تغيرات الأسعار منذ بداية العام الحالي إلى أكثر من 50 في المئة، حيث هبطت الأسعار في الأسبوع الأخير إلى ما دون 10 دولارات للمليون وحدة حرارية في شمال غرب أوروبا مقابل ما يقرب من 18 دولارا في الشهر المقابل من العام الماضي.

مخاطر فائض العرض

شهد المعروض العالمي للنفط ارتفاعا ملحوظا منذ بداية العام الحالي. ووفقا لوكالة الطاقة الدولية، من المتوقع أن يؤدي نمو العرض إلى وصول إجمالي الإنتاج إلى حوالي 106.1 مليون برميل يوميًا. في الوقت نفسه، فإن معدل نمو الطلب كان متواضعا مقارنةً بالمعايير التاريخية. وتتراوح تقديرات الطلب العالمي حاليا بين 103 و104 مليون برميل يوميا تقريبا. وكانت النتيجة هي وجود فائض متزايد في السوق ما يزيد من خطر الضغط على الأسعار إلى أسفل. كما أن زيادة المخزونات تلعب دورا مهما في تخفيض الأسعار المستقبلية.
ولا يقتصر نمو العرض على مصدري النفط التقليديين «أوبك+»، بل يلعب المنتجون من خارج أوبك، ولا سيما في الأمريكتين (مثل الولايات المتحدة والبرازيل وغيانا وكندا والأرجنتين)، دورا أكبر. من ناحية أخرى، من المتوقع أن يتراجع الاستثمار في قطاع الاستخراج (المنبع) وخاصة في النفط الصخري/النفط غير التقليدي إذا ظلت الأسعار منخفضة. ومع اتساع قاعدة العرض وتوسع الطاقة الإنتاجية خارج أوبك، أصبح سوق النفط العالمي أقل اعتمادا على قرارات أوبك وحدها، ما يجعل العرض أكثر تقلبا، اعتمادا على كيفية تفاعل المنتجين من خارج أوبك مع الأسعار. وطبقا لوكالة الطاقة الدولية، فإن العام الحالي سجل زيادةً كبيرةً في المعروض النفطي بواسطة منتجي مجموعة «أوبك+» وكذلك من الدول غير الأعضاء، وذلك على الرغم من ضعف نمو الطلب. وقد حذر العديد من المحللين من أن الإنتاج العالمي قد يتجاوز الطلب بشكل كبير هذا العام، مما يفرض ضغوطا هبوطية على الأسعار، وهو ما شهدناه فعلا من تراجع من مستوى 80 دولارا للبرميل إلى مستوى 60 دولارا. هذا يعني بالنسبة لمُصدّري النفط، ظروفًا أقل ملاءمة، بسبب انخفاض الأسعار وخطر عدم تلبية الإيرادات لاحتياجات الميزانية، لا سيما في الدول التي تعتمد بشكل كبير على إيرادات تصدير النفط الخام.
وتقدر الزيادة المتوقعة في العام الحالي 2025 بما يتراوح بين حوالي 0.7-0.8 مليون برميل يوميا، وهو معدل يقرب من نصف معدل ​​النمو السنوي في المتوسط للسنوات الخمس السابقة للجائحة. ويعود ذلك إلى سببين رئيسيين، الأول هو الرياح الاقتصادية العالمية المعاكسة مثل تباطؤ النمو، التوترات التجارية، والتحولات الهيكلية مثل تحسين كفاءة الطاقة، والتوجه التدريجي نحو البدائل في بعض المناطق. والسبب الثاني يتعلق بالاستهلاك، فمن المتوقع أن يتركز النمو خارج الاقتصادات المتقدمة الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية «OECD»، وفي الدول النامية غير الأعضاء. و مع أن الطلب لا ينهار، إلا أنه ينمو بوتيرة بطيئة، وقد يظل هذا النمو متركزا في الاقتصادات الناشئة في العام القادم. كما أن العوامل البيئية تشير إلى أن الاقتصادات المتقدمة تتجه تدريجيًا إلى تقليل الاعتماد الكبير على النفط.

تقلبات حادة في الأسعار

مع تزايد كمية ومرونة العرض، وضعف نمو الطلب نسبيًا، تعرضت أسعار النفط لضغوط هبوطية. وتشير بعض التوقعات – بما في ذلك تلك المضمنة في التحليلات الرئيسية – إلى انخفاض متوسط ​​أسعار النفط المرجعية (مثل خام برنت). كما أن النفط لا يزال عرضة للمخاطر الجيوسياسية؛ بسبب التوترات الإقليمية، خاصة في الشرق الأوسط، والصراعات، والعقوبات، أو انقطاعات الإنتاج، التي قد تؤدي إلى ارتفاعات حادة في الأسعار. من ناحية أخرى، قد تؤدي العوامل الهيكلية طويلة الأجل – مثل التحول في مجال الطاقة، وزيادة الاعتماد على مصادر الطاقة البديلة، والوفورات الناتجة عن الكفاءة في استخدام الطاقة، إلى مزيد من تراجع الطلب وانخفاض المستوى العام للأسعار. وقد سجل هامش تقلبات الأسعار منذ بداية العام حتى الآن حوالي 25 في المئة، حيث بلغ أعلى سعر لخام القياس العالمي (برنت) 81 دولارا للبرميل، في حين لامس أقل سعر حاجز الـ60 دولارا مسجلا 60.23 دولار للبرميل. وتعكس تقلبات الأسعارعوامل جيوسياسية أكثر من غيرها من المتغيرات. وكانت توقعات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية تشير إلى هامش يتراوح بين 70 إلى 66 دولارا للبرميل في المتوسط خلال العام، مع احتمال انخفاض الأسعار إلى أقل من 60 دولارا قبل بداية العام الجديد. وإذا أخذنا المخاطر الجيوسياسية أو مخاوف تعطيل العرض في الاعتبار، فإن الأسعار يمكن أن ترتفع مؤقتا عن تلك التقديرات بمقدار 5–10+ دولارات أمريكية في البرميل. وطبقا للسيناريو الأساسي لوكالة فيتش للتصنيف الائتماني يبلغ متوسط سعر خام برنت للعام الحالي 65 دولارًا للبرميل. وطبقا لهذا السيناريو فإن ميزانيات دول مجلس التعاون الخليجي يمكن أن تحقق فوائض، باستثناء المملكة العربية السعودية (تصنيف A+/مستقر)، والبحرين (تصنيف B+/سلبي)، وسلطنة عمان (تصنيف BB+/إيجابي) بفارق ضئيل. لكن سيناريو انخفاض المتوسط العام لأسعار النفط إلى 45 دولارا للبرميل يسبب عجزًا ماليا في جميع دول مجلس التعاون الخليجي، بافتراض ثبات جميع العوامل الأخرى.
وتواصل السياسات الاقتصادية لدول الخليج العمل على الموازنة بين أهداف سياسية متضاربة، تتمثل في تقليل تأثر ميزانياتها بانخفاض أسعار النفط من خلال خفض الإنفاق العام من ناحية، وزيادة الإنفاق على الاستثمارات لتنويع مصادر الدخل بعيدًا عن النفط، وتلبية الاحتياجات الاجتماعية.

تأثير التحول للطاقة النظيفة

يتأثر سوق النفط العالمي بشكل متزايد بتحول أوسع نطاقا في مجال الطاقة، يشمل نمو استخدامات سوائل الغاز الطبيعي، وزيادة الاستثمار في الغاز والطاقة البديلة، وانخفاض الاعتماد على النفط الخام في بعض القطاعات. كذلك يتزايد بروز المنتجين من خارج أوبك ومصدري الطاقة المتنوعين. الأمر الذي يقلل من الهيمنة القديمة لبعض الدول الرئيسية المصدرة للنفط. ولا يزال الطلب على التكرير والبتروكيمائيات مهما، حتى مع احتمال استقرار الطلب على وقود النقل أو انخفاضه في بعض المناطق. وقد يُضعف التحول في مجالات الطاقة الطاقة المتجددة، والمركبات الكهربائية، ومكاسب الكفاءة، الطلب على النفط على المدى الطويل، وخاصة في الاقتصادات المتقدمة، مما يُغير مسارات الطلب. يعتمد الاستثمار في إنتاج النفط الجديد (وخاصةً النفط الصخري/غير التقليدي) بشكل كبير على استقرار الأسعار والمحافظة على مستوى مرتفع يبرر جدوى الاستثمار؛ وقد يُؤدي استمرار انخفاض الأسعار إلى إبطاء النمو والتأثير على الطاقة الإنتاجية على المدى الطويل.

تأثير سلبي على الميزانيات

تترك التطورات في سوق النفط تداعيات واسعة النطاق على الشركات والحكومات في وقت واحد، من حيث درجة الاستقرار المالي، والقدرة على الاستثمار. ويظهر ذلك واضحا في الدول العربية الخليجية المصدرة للنفط، حيث يؤدي تراجع الأسعار إلى انخفاض التوسعات والاستثمارات الجديدة، سواء بالنسبة للشركات أو الحكومات. كما تضطر تلك الدول إلى تخفيض الإنفاق العام وزيادة اللجوء إلى الاقتراض. ويتوقع العديد من دول الخليج انخفاضًا في الإيرادات في عام 2025 مقارنة بالسنوات السابقة، بسبب انخفاض أسعار النفط وتقلبها. على سبيل المثال، تتضمن بعض خطط الميزانيات لعام 2025 تخفيضات في الإنفاق الرأسمالي أو توقعات إنفاق أكثر تحفظًا. وفي هذا السياق فإن الدول ذات أسعار التعادل المالي المرتفعة – سعر النفط اللازم لموازنة ميزانياتها الحكومية – معرضة للخطر بشكل خاص. وقد تم تقييم العديد من مُصدري النفط في الشرق الأوسط وأفريقيا من بين الأكثر تضررا من انخفاض أسعار النفط والغاز في العالم.
ويؤدي الضغط على عائدات النفط تعزيز السياسة الطويلة الأجل التي تتبعها دول الخليج العربية طويل الأمد نحو التنويع الاقتصادي، وتكريس الاستثمارات في القطاعات غير النفطية، مثل الصناعات التحويلية والتكنولوجية والسياحة. ويساعد النمو في هذه القطاعات إضافة إلى مشروعلت البنية الأساسية النمو الرقمية على تخفيف وطأة تأثير انخفاض إيرادات تصدير النفط. المنتجون الأكثر الذين نجحوا في إقامة اقتصاد أكثر تنوعًا واستقرارًا ماليًا، مثل دول مجلس التعاون الخليجي، أصبحوا عمليا أكثر قدرة على تحمل تقلبات الأسعار.
أما في الاقتصادات التي لا تزال فيها القطاعات غير النفطية متخلفة، فإن انخفاض عائدات النفط يبطئ وتيرة مشاريع البنية التحتية أو الاستثمارات الاجتماعية المخطط لها، ويفرض على الحكومات تخفيض الإنفاق العام، وربما التوسع في الاقتراض داخليا أو خارجيا. وتشير تقديرات البنك الدولي إلى أن التأثيرات تختلف بشكل كبير حسب «التطورات الخاصة بكل بلد»، وهو ما يعني أن سياسات كل دولة والتقدم الذي أحرزته في مجال التنويع الاقتصادي أمر بالغ الأهمية. ومع انكماش عائدات النفط أو عدم اليقين بشأن استقرارها فإن الاستثمارات الحكومية في مجالات كالبنية التحتية والخدمات الاجتماعية والحوافز تتراجع أو يعاد ترتيب أولوياتها، ما قد يُبطئ خطط التنمية طويلة الأجل. وعلى صعيد علاقة الدولة بالمجتمع يؤدي انخفاض عائدات النفط إلى إضعاف ثقة المستهلكين والمستثمرين، مما قد ينعكس سلبا على الأصول الاستثمارية والثروة العقارية، والتوظيف في القطاع الخاص، وأجور القطاع العام. من ناحية أخرى، فإن زيادة سرعة وتيرة الضغط على عائدات النفط قد تؤدي إلى وقف أو إبطاء جهود التحول في مجال الطاقة، التي تشمل زيادة الاستثمار في الغاز الطبيعي، وسوائل الغاز الطبيعي، والبتروكيمائيات، أو مصادر الطاقة المتجددة، وخاصةً في الدول ذات استراتيجيات التنويع طويلة الأجل.
وسجلت مؤشرات الأداء الاقتصادي في بعض الدول الخليجية المصدرة للنفط في العام الحالي مظاهر ملموسة لتداعيات تراجع أسعار النفط والغاز، حيث ترافق ذلك بانخفاض الفوائض، وتراجع الإنفاق العام، وزيادة اللجوء إلى مصادر الاقتراض المحلي والخارجية، وتأجيل أو إبطاء تنفيذ بعض المشاريع القومية الضخمة، كما هو الحال في السعودية والإمارات، على الرغم من المستوى المرتفع لدرجة التنويع الاقتصادي الذي حققته كل منهما. المعيار الفعال في قياس تأثير الأسعار على الاقتصاد ككل، الحكومي والخاص هو «سعر التعادل المالي»؛ فإذا انخفضت أسعار النفط العالمية عن حد التعادل المالي، فقد تواجه الدولة صعوبة في تحقيق التوازن في ميزانيتها، وهو ما تخشاه العديد من دول الخليج في ظل بيئة أسعار نفطية هشة. وحتى بالنسبة للاقتصادات المتنوعة نسبيًا، فإن استمرار انخفاض أسعار النفط على مدى عدة سنوات من شأنه أن يكرس المخاطر، إذ يُقلّل حجم الاحتياطي المالي ويُشكّل ضغطًا على خطط الاستثمار طويل الأجل أو الإنفاق الاجتماعي. وفي هذا السياق فإن الدول ذات الاقتصاد الأكثر تنوعا تكون أكثر قدرة على تحمل أضرار انخفاض عائدات النفط والغاز، بمساعدة التدفقات المحلية والخارجية الناتجة عن الاستثمارات في القطاعات غير النفطية مثل الصناعة والزراعة والتجارة والخدمات والبنية الأساسية المادية والتكنولوجيا. وعلى الرغم من تراجع الأسعار في العام الحالي، لا يزال نمو الناتج المحلي الإجمالي إيجابيا في معظم الدول الرئيسية المُصدّرة للنفط – ويعود الفضل في ذلك بشكل كبير إلى القطاعات غير النفطية، والاستثمار العام، وانتعاش الإنتاج. وسوف يظل «سعر التعادل المالي للنفط» مقياسا رئيسيا لتحقيق السلامة المالية، فالبقاء دونه لفترة طويلة يضع هذه الدول أمام خيارات صعبة تشمل خفض الإنفاق، وإصدار الديون، وتأجيل المشاريع العامة.
العناوين الاكثر قراءة









 

العودة إلى الاخبار