بغداد/ يمان الحسناوي
تعود قضية تحويل البصرة إلى إقليم مستقل لتتصدر المشهد السياسي من جديد، في ظل تصاعد الجدل داخل مجلس المحافظة وتباين المواقف بين مؤيد يراها حقا دستوريا ورافض يحذّر من تداعياتها في هذه المرحلة الحساسة.
وبين حديث عن تواقيع رسمية، وأزمات خدمية مزمنة، ومخاوف من توظيف الملف سياسيًا أو خارجيًا، يبرز سؤال جوهري: هل يشكّل الإقليم مخرجًا حقيقيا لأزمات البصرة، أم أنه ورقة ضغط مؤقتة في صراع الحقوق والنفوذ؟
رئيسة اللجنة القانونية في مجلس محافظة البصرة، زهراء عبد الرضا، أكدت أن مجلس المحافظة جمع تواقيع لأكثر من 11 عضوًا للمضي بإجراءات تشكيل إقليم البصرة، مشيرةً إلى أن بعض الأعضاء ما زالوا متقبلين للفكرة فيما يرفضها آخرون.
وقالت عبد الرضا في حديث لـ(المدى)، إن "المطالبة بتشكيل الإقليم تُعد حقًا دستوريًا، إلا أن التساؤل الأهم هو: هل ستُمنح البصرة، التي تغطي نحو 70% من الموازنة المعتمدة للحكومة العراقية، هذا الحق؟". وأضافت أن تجربة تحويل البصرة إلى إقليم تواجه العديد من المعوقات، لافتةً إلى أن البصرة تُعد العاصمة الاقتصادية للعراق، وأن هذه الخطوة قد تكون مجرد وسيلة ضغط، لكنها ليست الحل الأمثل في الوقت الحالي. وبيّنت عبد الرضا أن "الأجدر بالبصرة التوجه نحو تشريع قانون يجعلها عاصمة اقتصادية للعراق قبل الشروع بموضوع الإقليم"، معربةً عن اعتقادها بأن هذا الإجراء مؤقت ولن يرى النور. بدورها، أكدت عضو مجلس النواب السابق عن محافظة البصرة، انتصار الجزائري، أن الدعوات المطروحة بشأن إنشاء إقليم البصرة جاءت نتيجة تراكم المشكلات التي تعاني منها المحافظة منذ سنوات، رغم كونها الممول الرئيسي لمالية العراق. وقالت الجزائري خلال حديثها لـ(المدى) إن البصرة ما زالت تعاني من أزمات خدمية واقتصادية كبيرة، من بينها مشكلة المياه المالحة، والتهميش، والديون المتراكمة، والنظرة إليها كمحافظة من الدرجة الثانية، ما دفع إلى تصاعد المطالبات بحقوقها المشروعة، وصولاً إلى طرح فكرة الإقليم. وأضافت أن قضية الإقليم تحتاج إلى دراسة معمقة من جميع الجوانب، وليس فقط من زاوية المنفعة لمحافظة البصرة، مؤكدة في الوقت ذاته أن الأولوية تبقى لمعالجة مشاكل البصرة وضمان حقوق أبنائها.
وشددت الجزائري على التمسك برأي المرجعية الدينية ووحدة العراق، محذرة من تشويه ملف الإقليم وتحويله إلى ساحة صراعات سياسية أو اقتصادية، أو فتح المجال لتدخلات خارجية تسعى لتحقيق مطامع خاصة.
وأشارت إلى أن الكتل السياسية داخل مجلس محافظة البصرة تتحمل مسؤولية كبيرة في هذا الملف، بوصفها الجهة المعنية بالمطالبة بالحقوق واتخاذ القرار المناسب، مؤكدة ضرورة منح الوقت الكافي لدراسة فكرة الإقليم قبل اتخاذ أي قرار مصيري.
وختمت الجزائري بالقول إن أي خطوة مقبلة يجب أن تكون بما يخدم مصلحة العراق عموماً والبصرة خصوصاً، وبما يحفظ السيادة ويمنع التدخلات الخارجية.
بدوره، رأى الباحث في الشأن السياسي مجاشع التميمي أن إعادة طرح ملف إنشاء إقليم البصرة ليست جديدة، بل تعود إلى الواجهة كلما تفاقمت الأزمات الخدمية والاقتصادية في المحافظة.
وقال التميمي لـ(المدى) إن الدستور العراقي لعام 2005 أقرّ مبدأ الفيدرالية وفتح الباب قانونيًا أمام إمكانية تحويل المحافظات إلى أقاليم وفق إجراءات محددة، مشيرًا إلى أن الإشكال في هذا الملف ليس قانونيًا بقدر ما هو سياسي وعملي. وأوضح أن الواقع العراقي الحالي لا يبدو مهيأً لمثل هذه الخطوة، في ظل ضعف الدولة المركزية، وتداخل المصالح الحزبية، وغياب الثقة بين بغداد والمحافظات، وهو ما يعقّد أي مشروع من هذا النوع. وأضاف التميمي أن هناك سؤالًا جوهريًا يُغفل عند الحديث عن إقليم البصرة، يتمثل في ما إذا كان الإقليم سيُسهم فعليًا في تحسين الإدارة والخدمات، أم أنه سيكون مجرد إعادة توزيع للسلطة والثروة بيد نخب محلية جديدة، لافتًا إلى أن تجربة العراق مع اللامركزية لم تُترجم حتى الآن إلى كفاءة إدارية أو شفافية أعلى.
وأشار إلى أن استغلال ملف الإقليم خارجيًا يبقى احتمالًا واقعيًا، لا سيما في ظل الموقع الاقتصادي الحيوي للبصرة وحدودها البحرية، ما يجعلها عرضة لتقاطعات مصالح دول الجوار، خصوصًا إذا طُرح المشروع في بيئة سياسية منقسمة وضعيفة السيادة.
ومنذ أيام، بدأ أعضاء مجلس محافظة البصرة، بالتحرك لجمع تواقيع للتصويت على تفعيل ملف "إقليم البصرة"، بمشاركة تحالف "تصميم" الذي يتزعمه المحافظ اسعد العيداني.
وحصلت (المدى) على وثيقة موقعة من نائب رئيس مجلس المحافظة، أسامة عبد الرضا السعد، يتقدم فيها بمقترح رسمي لتفعيل الملف. وطلب السعد، وفق الكتاب الرسمي المقدم إلى رئيس المجلس، مناقشة وتأكيد القرارات السابقة المتعلقة بمقترح إقليم البصرة، ومطالبة رئيس مجلس الوزراء بإحالة المقترح إلى المفوضية العليا المستقلة للانتخابات.
كما منحت الوثيقة تفويضاً لرئيس مجلس المحافظة بتكليف القسم القانوني بمتابعة رفع الدعاوى القضائية ذات الصلة، مع إمكانية تحويل المهمة إلى مكاتب قانونية خارج المجلس.
كما أعلن تحالف تصميم والمحافظ أسعد العيداني، دعمه لهذا التوجه، ضمن حراك سياسي متصاعد لإعادة طرح مشروع الإقليم على طاولة المجلس خلال المرحلة المقبلة.