الوثيقة | مشاهدة الموضوع - البعد الآخر للأرتفاع الجنوني في أسعار بورصة بيع المناصب الحكومية بعد انتخاب رئيس البرلمان العراقي السادس ؟ صباح البغدادي
تغيير حجم الخط     

البعد الآخر للأرتفاع الجنوني في أسعار بورصة بيع المناصب الحكومية بعد انتخاب رئيس البرلمان العراقي السادس ؟ صباح البغدادي

مشاركة » الثلاثاء ديسمبر 30, 2025 4:47 am

هذا الموضوع ليس حديث الصباح والمساء في مقاهي بغداد التراثية العتيقة او من وحي الخيال أو من قصص الف ليلة وليلة ولكنه أصبح حديث الساعة اليوم , وظاهرة طبيعية موجودة على ارض الواقع ولا يستطيع احد ان ينكرها او حتى يحاول الطعن بمصداقيتها , بل انها أصبحت بمرور الوقت ضمن موروث ومناهج العرف السياسي الطائفي المعترف به , المناصب الحكومية ومن درجة مدير عام مرورآ بوكلاء الوزارات والوزراء وصولاً إلى مواقع حساسة في الهيئات والمؤسسات الأمنية والعسكرية والاستخبارية، اصبحت لا تُمنح على أساس الخبرة والنزاهة والكفاءة والدرجة الجامعية العلمية ، بل وفق مبدأ دفع “المال السياسي”، ومدى القرب من الانتماء الحزبي، والولاء المطلق لقيادات الكتل الحزبية المتنفذة في الحكومة , والمتابع والمهتم بالشأن السياسي وما يجري في الخفاء والعلن خلال الأيام القليلة الماضية ومن خلال متابعة بسيطة لـ “منصات التواصل الاجتماعي” وصفحات شخصية لبعض النواب ووزراء وقيادات حزبية سابقة وحالية أثرت بدورها في تغريداتهم المكتوبة والصريحة حول الجدل الواسع والمكثف قبل انتخاب رئاسة مجلس النواب الجديد، عن وجود صفقات مشبوهة داخل العملية السياسية، تتعلق بـ”بيع وشراء” أصوات عدد من (النواب) لضمان تأييدهم لأحد المرشحين تحديدا على تولي منصب رئاسة البرلمان حيث وصل سعر هذا المنصب وتم دفعه بمبلغ ( 220 مليار دينار عراقي ) أي ما يعادل بسعر اليوم في السوق العراقية ( 167.5 مليون دولار أمريكي ) ؟ أحد السادة المسؤولين الافاضل والقريب من الاحداث ومن خلال حديث شخصي معه خلال الأيام الماضية خصني بمعلومة مفادها بان منصب “وزير النفط ” قد وصل سعر بيعه الى مبلغ ( 100 مليون دولار ) ويمكن لهذا الرقم أن يزداد خلال ذروة تشكيل الكابينة الوزارية القادمة , ومما يزيد من واقعية وجود هذه الظاهرة والتي أصبحت مصداقيتها ليست “ظنية الدلالة” وإنما “قطعية الدلالة” وما لا يحتمل التأويل والشك لدى العقل الجمعي العراقي , ويغذي تصديق المجتمع لهذه النظرية – نظرية بيع وشراء المناصب – مجموعة من العوامل المتداخلة، أبرزها التصريحات والأحاديث العلنية المتكررة على ألسنة :” ساسة ونواب سابقين وحاليين ووزراء وقيادات حزبية في برامج تلفزيونية وحوارات إعلامية من على مختلف الفضائيات الاخبارية العراقية ” هذه الشهادات الصريحة والواضحة ومع مرور الوقت لم تكن مجرد اتهامات عابرة ، بل ترددت مراراً وتكرارا من داخل الطبقة السياسية الحاكمة نفسها، مما يمنحها الشرعية والمصداقية الكبيرة في نظر المواطنين . إلى جانب ذلك، يعزز من انتشارها فقدان الثقة الشعبية العميق بالأحزاب والكتل السياسية، التي أسهمت – على مدى السنين الماضية – في ترسيخ واشاعة حالة الفساد المستشري وإعادة إنتاج نفس النمط من الحكم القائم على المحاصصة والولاءات الحزبية بدلاً من الكفاءة والنزاهة والمصلحة الوطنية. وكما يلعب دوراً حاسماً في ترسيخ هذه النظرية المعرفة الشعبية القريبة من اليقين بعمليات بيع وشراء واسعة النطاق حدثت ولا تزال تحدث منذ سنوات طويلة في معظم مؤسسات الدولة، وخاصة المؤسسات العسكرية والأمنية، حيث تُدار التعيينات في كثير من الأحيان وفق صفقات مالية أو تعهدات بتقاسم النفوذ والعقود التجارية والاقتصادية ومشاريع البنية التحتية ، بعيداً عن أي معايير مهنية أو محاسبة دستورية . ونتيجة هذا التراكم هو تحول “بيع المناصب” من شائعة إلى واقع يُعتقد به على نطاق واسع، يعكس أزمة شرعية عميقة في النظام السياسي . ففي ظل غياب تحقيقات قضائية جادة وشفافة ونزيهة، واستمرار الشهادات الرسمية من داخل المنظومة الحكومية ، يصبح من الصعب على المواطن أن يميز بين الادعاء والحقيقة، فيبقى الشك والغضب يتغذيان ذاتياً، يترسخ الإحساس بأن الدولة تحولت إلى “غنيمة” تُقسم بين النخب الحزبية الحاكمة بدلاً من أن تكون مؤسسة دستورية تخدم الجميع .
أن ظاهرة بيع وشراء المناصب التنفيذية في العراق ليست حديثة العهد، بل ترسخت جذورها منذ سنوات طويلة سابقة وضمن آليات نظام الحكم المحاصصة السياسية والطائفية بعد عام 2003 . ومن خلال فترتي نوري المالكي الثانية (2006-2014) وحيدر العبادي (2014-2018) وما بعدها ، حيث تداولت اتهامات واسعة من قيادات حزبية ونواب ووزراء سابقين بأن بعض الوزارات والمناصب العليا كانت تُباع مقابل مبالغ مالية متفاوتة، أو عبر صفقات تضمن تقاسم العقود والأرباح المستقبلية. ورغم غياب الأرقام الدقيقة الموثقة قضائياً – بسبب طبيعة هذه العمليات السرية والنفوذ السياسي – إلا أن التعميم الشائع في الخطاب الإعلامي والشعبي كان سيد الموقف، مدعوماً بشهادات موثقة وعلنية ومتكررة في برامج تلفزيونية وتصريحات اعلامية ومقابلات علنية . ومع انتخابات 2018، لم يقتصر الأمر على المناصب التنفيذية (الوزارات، الوكلاء، مديري العموم) فحسب، بل امتد إلى قلب السلطة التشريعية نفسها. شهدت تلك الدورة انتشاراً واسعاً لاتهامات بشراء أصوات الناخبين عبر “سماسرة” يشترون البطاقات الانتخابية بمبالغ تتراوح بين 75 و250 ألف دينار عراقي، بالإضافة إلى تقديم هدايا مالية أو خدمات للفقراء في الأحياء الشعبية و الاغراء بسلال غذائية بسيطة لمخيمات النازحين ، لضمان ولاء الصوت الانتخابي. هذا التوسع في ” البورصة ” السياسية جعل عملية تشكيل الحكومة بعد الانتخابات تبدو مزاد علني غير رسمي، يعتمد على المزايدة المالية والنفوذ الحزبي أكثر من الكفاءة والنزاهة أو البرامج الاقتصادية التي تخدم المواطن . هذه الممارسات ليست انحرافاً فردياً، بل نتيجة بنيوية لنظام المحاصصة الذي يحول المناصب إلى “غنائم” تُقسم بين الكتل، وغالباً ما تُدار عبر صفقات تجمع بين الدفع المباشر والتعهدات المالية المستقبلية. والنتيجة ستكون تآكل الثقة في صناديق الانتخابات كأداة للتغيير نحو الافضل ، وتحويل الناخب إلى “متفرج” على عملية يشعر أنها تُسرق أحلامه وتطلعات أجياله القادمة تحت غطاء نصرة الطائفة والمذهب , وما يُروج له كـ”ديمقراطية” في العراق تحول، في كثير من جوانبه، إلى سوق وبازار مفتوح للنفوذ الحزبي والسلطة والمال . طالما بقيت المحاصصة والفساد الممنهج دون إصلاح جذري – عبر استقلالية التعيينات، وتوسيع صلاحيات النزاهة، وربط المناصب الحكومية بالكفاءة والشفافية والنزاهة وهذه ظاهرة ” الدلالة القطعية ” ليست مجرد انحراف إداري عابر، بل مؤشر خطير على تحوّل الوظيفة العامة من واجب وطني إلى سلعة تجارية تخضع للولاءات الحزبية والمزايدات المالية وأن إعادة إنتاج المناصب عبر التفاهمات السرية والصفقات المالية التي تجري خلف الستار تمثل انتهاكاً مباشراً مفهوم ” دولة المؤسسات والقانون ” وتؤسس الاقتصاد موازٍ يقوم على النفوذ الحزبي والمحسوبية الشخصية بدلاً من الكفاءة والجدارة. وبمراجعة بسيطة لمصداقية هذا الموضوع “قطعي الدلالة ” نجد بأن بعض المسؤولين والوزراء السابقين ظهروا في تسريبات ومن خلال أفلام مصورة واضحة وصريحة وهم يقسمون على “المصحف” بأن الوزارة ستكون في خدمة زعيم حزبي معين (وليس الدولة) . هيئة النزاهة الاتحادية وتقارير المنظمات الدولية (مثل Transparency International) تصنف العراق من بين أكثر دول العالم فساداً، وتتحدث عن “فساد مالي واداري وسياسي ممنهج يشمل استغلال المناصب الحكومية للثراء غير المشروع .
اليوم نرى بوضوح حالة من التخبط والعشوائية ومع مرور الوقت سريعا وضغط التوقيتات الدستورية وانتخاب مثل “رئيس الجمهورية” خلال 30 يوماً حيث ما تزال خلافات وصراعات الحزبين “البارتي” واليكتي” مستمرة وعلى اوجها وتمنع حصول موقف كوردي موحد على اختيار اسم “رئيس الجمهورية” القادم وحول من له الأحقية في منصب “الرئيس” وإذا استمر الوضع كما هو عليه ، قد يصبح هذا الاختيار أول “عقدة” كبيرة في طريق عجلة تشكيل الحكومة الجديدة، وما يعنيه ذلك من تأخير وتعقيدات إضافية للعملية السياسية بأكملها , ولكن يبقى التدخل الأمريكي المباشر سوف يحسم الاسم الذي يتفق عليه الجميع دون أي اعتراضات , ومن ثم المعضلة العويصة التي ما تزال باقية حول الاسم لتكليف رئيس الوزراء وتقديم كابينته الوزارية … كل هذا يعني مفاوضات سرية وعلنية مكثفة ، وغالباً ما تترافق مع صفقات مالية/ ونفوذ لضمان الولاءات ؟! و يبقى الإحساس الشعبي العام “متفرجاً” على سرقة أحلامه، بينما النخبة الحاكمة تتقاسم الغنيمة تحت غطاء نصرة الطائفة والمذهب والدين ؟ وسيظل دائمآ هذا السؤال يتردد في العقل الجمعي العراقي ، ولكن ستبقى الإجابة دون شك ” وقطعية الدلالة ” واحدة : نعم … نعم … معم … يستمر بيع المناصب الحكومية … ويزداد حدة وشراسة مع كل دورة انتخابية برلمانية قادمة ؟! .
sabahalbaghdadi@gmail.com
العناوين الاكثر قراءة









 

العودة إلى المقالات

cron