بات سكان مخيم جباليا شمال قطاع غزة، مجبرين على دفن جثامين الشهداء المتكدسة في الشوارع العامة والأزقة داخل منازلهم المتهالكة، بعد أن صعد الاحتلال عمليات القصف وقتل السكان المحاصرين، وصعوبة التحرك لنقل الشهداء إلى المقابر التي باتت ممتلئة وتقع في مناطق حدودية مكشوفة، وهو الخيار الوحيد والأصعب أمامهم.
ومنذ بدء العملية العسكرية على مخيم جباليا، يواجه المحاصرون ظروفا قاسية ووضعا كارثيا، حيث تعمد الاحتلال قصف منازلهم فوق رؤوسهم، وإطلاق الطائرات المسيرة النار على كل من يتحرك وهذا ما أدى لسقوط العشرات من الشهداء، ويزداد الأمر صعوبة مع الجرحى الذين ينزفون حتى الموت، نتيجة صعوبة وصول الطواقم الطبية لهم، عدا عن فرض الجيش حصارا خانقا على المستشفيات العاملة في شمال غزة ومنع توريد الأدوية أو إدخال السولار المخصص لتشغيل مولدات الكهرباء، وتوقف العديد من المستشفيات عن الخدمة.
وفي ظل الحصار المشدد على شمال غزة تشهد المستشفيات عجزا في الإمدادات الطبية، لذلك يلجأ ممرضون وأطباء من مخيم جباليا، إلى تضميد المصابين وتعقيم جراحهم خاصة من هم داخل مراكز الإيواء وحتى في المستشفيات، باستخدام مادتي الخل والكلور عبر خلطها بالماء، حرصا على منع المصابين من التسمم بغبار الصواريخ المحملة بالمواد السامة، وظهور العفن على جروح الكثير من المصابين وعدم توفر محاليل طبية التعقيم.
وتعتبر مؤسسات حقوقية دولية وإسرائيلية أن ما يجري من حصار لمخيم جباليا هو أمر مخالف للقانون الدولي، حيث ترتكب قوات الاحتلال إبادة جماعية بحق المدنيين، عبر تجويعهم وإطلاق النار المتعمد عليهم. ويواجه المحاصرون داخل مخيم جباليا وبعد مرور أسبوعين على العملية ظروفا كارثية، مع إصرار الجيش على تطبيق خطة تهجير أكثر من 400 ألف مواطن يسكنون المخيم والمدن المحيطة به، حيث استنكر المركز الأورو متوسطي لحقوق الإنسان، محاولات الاحتلال تهجير سكان شمال قطاع غزة تحت التهديد بالقتل والتجويع، في المقابل دعت أربع مؤسسات حقوقية إسرائيلية وهي بتسيلم وجيشاه ومسلك وويش دين في بيان لها، المجتمع الدولي بالعمل على وقف الحرب على قطاع غزة والضغط من أجل منع تهجير سكان شمال القطاع وحذرت من وجود مؤشرات مقلقة على بدء الجيش تطبيق خطة الجنرالات، من خلال محاصرة سكان شمال غزة وتجويعهم.
ولم يعد هناك متسع شمال غزة لدفن الشهداء، وتوجد في المخيم مقبرتان واحدة في منطقة الفالوجا والتي تتركز فيها عمليات الجيش العسكرية، والثانية المقبرة الشرقية والتي تقع قرب السياج الفاصل مع إسرائيل، ومنذ بداية الحرب يدفن السكان الشهداء في المنتزهات وساحات المستشفيات والشوارع والمدارس، وبعد حصار مخيم جباليا يدفن الشهداء داخل المنازل والشوارع الضيقة.
داخل مدرسة أبو حسين وسط مخيم جباليا التي تتعرض لاستهداف مباشر ومتعمد، ارتكب الاحتلال قبل ثلاثة أيام مجزرة مروعة راح ضحيتها عدد من الشهداء والجرحى، ولصعوبة نقلهم بسبب استهداف الطائرات والقناصة كل من يتحرك، أجبر المواطنين على دفن ذويهم من الشهداء داخل منازلهم وفي أزقة المخيم.
يقول والد الشهيد عبدالعزيز حجازي إن نجله استشهد في مجزرة مدرسة أبو حسين شمال قطاع غزة الأربعاء الماضي برفقة عدد من النازحين، وبسبب صعوبة الوصول إلى المقبرة المحاذية لمنطقة التوغل اضطر إلى دفنه في جنينة منزله في منطقة العلمي وسط المخيم».
ولفت في حديثه لـ«القدس العربي» إلى أن «هناك عددا من جثث الشهداء دفنت في جنينة منزله جلهم من أقاربه وهذا الحال يشمل كل السكان في مدينة غزة وشمالها، حيث باتت غالبية البيوت مقابر للشهداء والموتى بعد أن امتلأت ساحات المستشفيات والمدارس والمنتزهات بقبور الشهداء، واعتبر ما يجري أمرا خطيرا وكارثيا، لكن لا توجد خيارات أمام المحاصرين».
أما المواطن عايش سعيد «فأجبر على دفن شقيقه الذي استشهد خلال قصف خيام للنازحين في منطقة الشيخ زايد شمال قطاع غزة على رصيف أحد الشوارع وسط مخيم جباليا، بعد أن عجز عن الوصول إلى مقبرة».
وأشار لـ«القدس العربي» إلى أن «الاحتلال يرتكب مجازر بشعة ويستهدف تجمعات المواطنين، موقعا عشرات الشهداء والجرحى والأعداد الكبيرة تعيق عمليات إنقاذ المصابين بسبب نقص الإمكانيات، كما أن تزايد أعداد الشهداء يوميا يدفع إلى دفنهم بمقابر جماعية في المنازل والطرقات وغيرها من الأماكن». ويتخوف المواطن من «استمرار حصار المخيم لأيام طويلة، وعجز المواطنين عن إيجاد أماكن لدفن الشهداء، وبالتالي تفشي الأمراض والخوف يزداد مع انتشار جثث الشهداء في شوارع المخيم وتحت ركام المنازل، وصعوبة انتشالهم بسبب خطر التحرك». في المقابل يعمل الحكيم نهاد سمور على تضميد جراح المصابين داخل المدرسة باستخدام مادة الكلور والخل، حيث يعمل على تجهيز محاليل من المادتين وتعقيم إصابات المواطنين إلى حين تلقي الجرحى رعاية طبية.
يقول لـ«القدس العربي»: «المرافق الصحية الأربعة في شمال قطاع غزة تعاني من نقص حاد في المستلزمات والكوادر الطبية، نتيجة الحصار المفروض على المستشفيات ومنع إدخال الأدوية والمستلزمات، ما يصعب إمكانية السيطرة على المصابين، مع تدفق أعداد هائلة يوميا من الجرحى للمستشفيات وعدم توفر رعاية كاملة».
ولفت إلى أنه «ابتكر بعد نفاد محاليل التعقيم الطبية مواد تعقيم بديلة وآمنة، حيث يستخدم هذه المحاليل للمصابين داخل المدارس والمناطق التي يصعب نقل المصابين من داخلها إلى المستشفيات بسبب خطورة التنقل، ويعمل على خلط الكلور والخل بالماء مع بعض الإضافات الطبية لتطهير جراح المصابين، وهذا الابتكار أثبت فاعليته كبديل عن المحاليل الطبية التي توفرها وزارة الصحة».
وبين أن «هناك استخداما واسعا من قبل النقاط الطبية والمستشفيات لهذه المادة الخاصة بتعقيم الجراح، خاصة وأن هناك حالات كثيرة يظهر عليها عفن بسبب عدم توفر مواد مطهرة وتراجع الخدمات الطبية، بسبب العجز الذي تواجهه المستشفيات من إمدادات الأدوية وغيرها من المحاليل الطبية».