الوثيقة | مشاهدة الموضوع - المرامي الإسرائيلية المعلنة والخفية خلف محاولة اغتيال قيادات “حماس” في الدوحة
تغيير حجم الخط     

المرامي الإسرائيلية المعلنة والخفية خلف محاولة اغتيال قيادات “حماس” في الدوحة

مشاركة » الأربعاء سبتمبر 10, 2025 8:31 am

2.jpg
 
الناصرة- “القدس العربي”: تؤكد مصادر في إسرائيل، صباح اليوم، أن عدداً كبيراً من رؤساء المؤسّسة الأمنية فيها عارضوا فكرة استهداف قيادة حركة “حماس” في الدوحة، لتفضيلهم خيار مواصلة المفاوضات، لكن المستوى السياسي بشقيه حكومة ومعارضة باركوا العملية، فيما ينقسم المراقبون حول دوافعها، تبعاتها، جدواها، والأهم حول توقيتها.

ورغم انضمام قائد الجيش زامير لنتنياهو وكاتس في تهديدات أطلقوها، في الأيام الأخيرة، باغتيال قيادة “حماس” في الخارج، أبدى رؤساء الأمن (رئيس الموساد ورئيس الاستخبارات العسكرية ومستشار الأمن القومي) تحفّظاتهم من العملية في الدوحة، ويستدل من تحفّظهم أنهم اعتبروا التوقيت خاطئاً، لأن الاستهداف، في الأساس، يقطع مساعي متجدّدة لإنجاز صفقة بعد طرح الإدارة الأمريكية مقترحاً لها قبل أيام.

هارئيل: الضربة ربما تحشر “حماس” في الزاوية، لكنها لن تكسر بالضرورة روح بقية قيادتها

وتحظى عملية الاعتداء في الدوحة بتأييد أوساط واسعة في المعارضة، كما تجلّى في استعجال رئيس المعارضة يائير لبيد، أمس، بـ”مباركة اغتيال قيادة حماس” إلى جانب صورهم، مثلما تمتدحها الصحافة العبرية، بأغلبيتها الساحقة، وتشيد بقدرات سلاح الجو بضرب “عش الدبابير” على بعد 1800 كيلومتر، كما فاخرت صحيفة “يديعوت أحرونوت” اليوم.

في المقابل، انتقدت عائلات محتجزين العملية، وقالت والدة جندي إسرائيلي أسير إنها ترتجف خوفاً من تبعات محاولة قتل الطاقم المفاوض، في خضم جهود لتحقيق صفقة. ويتفق المراقبون في إسرائيل على ضرورة اغتيال قيادة “حماس”، لكنهم منقسمون حول سؤال التوقيت، وليس على المبدأ، ولا على مكان الاستهداف، داخل دولة ليست بحالة عداء مباشر مع إسرائيل، وتقوم بدور الوساطة، وتبذل جهوداً كبيرة لإنهاء الحرب وإحراز اتفاق تبادل.
نهاية المسرحية

ضمن ردود الفعل الإسرائيلية على العملية، يعتبر محرر شؤون الشرق الأوسط في صحيفة “هآرتس” تسفي بار إيل أن محاولة اغتيال قادة “حماس” في الخارج تعكس قراراً سياسياً بإنهاء، بشكل أحادي، مفاوضات إطلاق سراح المخطوفين. ويقول بار إيل، اليوم، إنه طالما تعارض إسرائيل كل بديل سلطوي لـ”حماس” في القطاع فإنه من غير المتوقع أن يغيّر المساس بساسة “حماس” وضعها بشكل دراماتيكي، مشدداً على أنها تتجه لإقامة حكم عسكري مباشر في غزة دون مخطوفين، ودون أفق لإنهاء الحرب.

في مقال بعنوان “نهاية المسرحية” يتهم فيه حكومة الاحتلال بالتنازل عن المحتجزين، يقول بار إيل ساخراً: “إنه من أجل حرب لاستعادتهم عليهم أن يموتوا”.
غزة هي غزة

ويشكّك زميله في الصحيفة عاموس هارئيل، محلل الشؤون العسكرية، الذي يعتبر أن نتنياهو غامر في قطر آملاً بنجاح مستقبلي وتحقيق انتصار، لكن الخطر الفوري على المختطفين قد تعاظم، معتبراً أن الضربة ربما تحشر “حماس” في الزاوية، لكنها لن تكسر بالضرورة روح بقية قيادتها.

ويرى أنه من غير الواضح ما إذا كان الرئيس ترامب قد أعطى الضوء الأخضر للعملية، مرجحاً أن إسرائيل ما كانت تتحرك في ظل معارضة أمريكية واضحة.

ويقول هارئيل إنه حتى لو أثرت الضربة بقيادة “حماس” على ميزان القوى، ربما تتواجد الجهات القيادية المتشددة فيها في مكان آخر، ولن يستسلموا بسهولة حتى تحت ضغط أمريكي.

ويضيف: “منذ فترة طويلة، تبدو إسرائيل كأنها تقامر على كل الصندوق في الحرب على “حماس”، وربما على كل الشرق الأوسط. بالأمس زادت مقدار المقامرة”.

تسفي بار إيل: محاولة اغتيال قادة “حماس” في الخارج تعكس قراراً سياسياً بإنهاء مفاوضات إطلاق سراح المخطوفين

يمضي هارئيل في تشكيكه بالقول إن بيئة نتنياهو تصف العملية كمكسب كبير- ليس عملياتياً واستخباراتياً بل إستراتيجياً أيضاً- يقرب إسرائيل من الانتصار، لكن، وكالعادة، من المفيد التشكيك بهذه الوعود، خاصة التنبّه كيف ستؤثر الهجمة على مصير المخطوفين، مشدداً على أن الخطر على حياة المخطوفين فوري، وربما احتمال تليين “حماس” موقفها بسبب الضغط ، بحال وجد ذلك، هو في أحسن الأحوال يبقى مسألة قابلة للتطور مستقبلاً”. ويضيف: “لم يعد الهجوم البعيد مهمة غير اعتيادية بعد الحرب ضد إيران والقصف المتكرر على اليمن، وما يختلف هنا هو هوية الهدف، على أراضي قطر، وهي دولة وصف نتنياهو العلاقات معها بالمعقدة. فعندما اغتالت إسرائيل هنية في طهران تقرر مهاجمة إيران رغم أن هنية قضى جل وقته في الدوحة. تجاوزت إسرائيل هنا خطاً كانت تتردد في اجتيازه”.
مقامرة جديدة في الدوحة

ويتفق مع هارئيل المحلل السياسي في صحيفة “يديعوت أحرونوت” نداف أيال الذي يستخدم ذات المصطلحات، بقوله إن الضربة في الدوحة مقامرة. ويقول متحفظاً من التوقيت إن قادة “حماس” ملطخة أياديهم بالدم، لكن عندما كان يُسأل قادة الأمن لماذا يبقى هؤلاء أحياء أكدوا: مع من نتفاوض عندئذ؟ ويؤكد أيال، هو الآخر، أن دلالة العملية ممكن أن تكون تعليق الصفقة التي تعني حياة المخطوفين، موجهاً سهام نقده ضد التوقيت وليس ضد مبدأ الاغتيال وانتهاك سيادة دولة: “أُعدت العملية منذ شهور حتى صدرت الأوامر. مسألة التوقيت ليست ثانوية. بالنسبة لقادة الأمن وكل الإسرائيليين هم يستحقون الموت، ولذلك فإن التوقيت هو كل شيء”.

وتتبعُه محررة ملحق “يديعوت أحرونوت”، الكاتبة المعلقة عينات ليف أدلر، فتقول ساخرة في مقال بعنوان “لا تنسوا المخطوفين” إن نتنياهو أطل على الإسرائيليين ليلة البارحة وهو يمثل أمام الكاميرا ببدلته الزرقاء التي يرتديها عادة في مناسبات احتفالية، وعليها إشارة المخطوفين، وفاخر بالعملية. وتتساءل عن جدواها وهدفها الحقيقي بالقول: كم هو مستفز أن القيم التي ترمز لها الإشارة على بدلته التي تقول “تحرير المخطوفين أولاً” بعيدة عن قلوب صناع القرار بعد بُرج قطر عن برج داوود في القدس”.

في حديث لراديو “الناس”، الذي يبث من الناصرة داخل أراضي 48، قال المحلل العسكري الإسرائيلي أمير أورن إن محاولة اغتيال قادة “حماس” فاشلة، حتى وإن نجحت، لأن دولة تحترم نفسها لا يمكن أن تتصرف بهذا التهور، وحتى الموساد تحفّظ منها”.

وسخرت بعض رسوم الكاريكاتير العبرية اليوم من العملية ونتيجتها ومراميها الحقيقية. ففي “يديعوت أحرونوت” يبدو إسرائيلي مقابل شاشة تلفزيون كتب عليها: “ضربة في قطر”، وهو يقول منفعلاً: اغتلنا حماس! وزوجته من خلفه ترد ساخرة: مرة أخرى! وهكذا كاريكاتير “هآرتس”، ففيه تظهر طائرات إسرائيل في طريقها للهجوم تحت عنوان ساخر: “بعثة المفاوضات خرجت للدوحة”.
عقيدة ميونيخ.. الطبعة الجديدة

ويرى المحامي آفي خالو، مسؤول سابق عن ملف المفقودين والأسرى في الاستخبارات العسكرية، أن محاولة اغتيال القيادة هي تتمة مباشرة لعقيدة مكافحة الإرهاب بعد عملية ميونيخ في أولمبياد 1972، ومن المتوقع أن تؤدي، في المنظور القريب، إلى تغييرات على المعركة بثلاثة أبعاد:

الأول؛ على المخطوفين وعلى المؤسسة الأمنية التي عليها الآن أن تجتهد وتبادر أكثر لتأمين سلامتهم قدر الإمكان كمركّب يكمل الضربة.

الثاني؛ الضربة في قطر تقول إن إسرائيل تهدد قنوات التفاوض الحالية، وربما تعكس رغبتها بتغيير الواقع، آملة أن تصبح المفاوضات مباشرة مع قادة “حماس” في غزة، مع عز الدين حداد، لكن الاغتيال سيؤدي لتشدد أكثر لدى “حماس” حول شروط تحرير المخطوفين.

ثالثاً؛ بحال تم اغتيال زاهر جبارين، خليفة العاروري، فسيؤثر سلباً على الواقع الأمني في الضفة الغربية غير المستقر أصلاً، كما ينعكس في عملية القدس الأخيرة.

وفي الجوهر يخلص للقول إن هجمة بعيدة عنا مهما كانت عادلة لن تعيد المخطوفين: على الحكومة تغيير نمط عملها من الأساس والتوجّه نحو استعادتهم باتفاق، ومن المفضل مبكراً”.
ضربة كان ينبغي أن تحصل منذ زمن

ويعكس المحلل العسكري في “يديعوت أحرونوت” آفي سخاروف المزاج العام لدى أوساط إسرائيلية واسعة باعتباره العدوان عملية شرعية وعادلة، ويقول إن كثيرين استغربوا لماذا لم تحصل من قبل، في بدايات الحرب.

هارئيل: منذ فترة طويلة تبدو إسرائيل كأنها تقامر على كل الصندوق في الحرب على “حماس”، وربما على كل الشرق الأوسط.. بالأمس زادت مقدار المقامرة

ويضيف: “الآن، وبحال نجحت العملية، فالدلالات بالنسبة لحماس دراماتيكية، وهكذا بالنسبة للمفاوضات حول المخطوفين، فمن المبكر تحديد الإجابة على السؤال كيف ستؤثر على مستقبل المفاوضات”.

في المقابل؛ هناك مراقبون في إسرائيل يؤيدون العملية، منهم عاميحاي اتالي، محرر الشؤون البرلمانية في “يديعوت أحرونوت”، ويبررها في مقال بعنوان “أذرع الجيش الطويلة”: “نحن نعمّق الوعي من جديد بأن إسرائيل أمة ليس من المفيد الاعتداء عليها. هذا ببساطة غير مجدٍ، والحساب دائماً سيُغلق”.

حتى الآن، ليس واضحاً بالنسبة لإسرائيل ما هي نتائج محاولة الاغتيال، غير أن الواضح أنها دليل إضافي على تنازلها عن المحتجزين وعن الصفقة، وفيها تساؤلات كثيرة: هل تقرّب الضربة من صفقة؟ ومن نهاية الحرب؟ وكيف ستبدو المفاوضات مستقبلاً، وغيرها من الأسئلة.

وقال كاتس، صباح اليوم، بلغته المتغطرسة إن إسرائيل ستهاجم أعداءها في كل مكان ولا مكان لهم للاختباء، مهدداً حماس: إذا لم تقبل شروطنا لإنهاء الحرب وإطلاق سراح جميع الرهائن ونزع سلاحها فسيتم تدميرها وتدمير غزة.

سارع نتنياهو لإبعاد واشنطن عن العملية، وقال إنها مستقلة، وإن إسرائيل وحدها تتحمل مسؤوليتها. وقال مبرراً إنه أوعز باغتيال قيادة “حماس” بعدما توفرت فرصة استخباراتية، وقد تمت بطريقة دقيقة وناجحة. كما قال نتنياهو إنها من أجل الأجيال القادمة، لكن هذه العملية العدوانية تعكس جنون عظمته ورغبته بالبحث عن حسم قاطع على طريقة “نوك أوت”، خاصة غداة عملية القدس، ومقتل أربعة جنود في غزة، وفي ظل تردد في مواصلة الحملة عليها خوفاً من كلفتها، ما يعني أن الاغتيال جاء لإحداث اختراق يخرج إسرائيل من المأزق الحالي، ويعطيها فرصة لإملاء شروطها والظفر بصورة انتصار، ولم يكن يقدم نتنياهو عليها دون ضوء أخضر أمريكي واضح. بيد أن العملية تنم عن جهل بطبيعة “حماس” كحركة جهادية، فقد سبق أن اغتال الاحتلال مؤسسها الشيخ أحمد ياسين وعشرات من قادتها دون أن يؤثر عليها.
العناوين الاكثر قراءة









 

العودة إلى تقارير