تحدثت مع حماس وأخبرتهم: ستنزعون سلاحكم، أليس كذلك؟ أجابوا: نعم، يا سيدي. هذا ما قالوه لي”، قال ترامب في لقائه مع رئيس الأرجنتين خافيير ميلي. نافياً بعد ذلك أنه تحدث مباشرة مع حماس، أعاد ترامب لاحقاً تهديده الثابت: “سينزعون سلاحهم، أو سنفعل ذلك بالقوة”. ولكن في محادثاته مع المراسلين في الطائرة، تبين أن حماس حصلت على مصادقة الرئيس للعمل كـ “قوة أمن داخلية”. وقال أيضاً: “هم (أي حماس) يريدون منع المشاكل، وكانوا صريحين في ذلك، وصادقنا لهم لفترة محدودة. في غزة نحو 2 مليون شخص سيعودون إلى بيوتهم المدمرة، وهناك أمور كثيرة سيئة قد تحدث. نريد أن يكون ذلك بشكل آمن”. هو عبر عن التفاؤل: “أعتقد أن ذلك قد يكون على ما يرام، لكن لا وثوق في ذلك”. لم يصب الرئيس بالصدمة من عمليات الإعدام التي نفذها أعضاء حماس ضد رجال العصابات التي عملت برعاية إسرائيل، وقال “هذه عصابات سيئة جداً”.
مشكوك فيه إذا كان ترامب نفسه يتذكر، أو لا يتذكر، كل التصريحات التي قالها، ويفضل أيضاً عدم تسرع إسرائيل في صياغة نظرية قتالية في ضوء هذه التصريحات. ويفضل أيضاً عدم محاولة العثور على اتجاه تفكير ثابت يمكنها من خلاله استنباط سياسة أو رسم حدود المنطقة العسكرية المسموح لها بالعمل فيها أمام حماس. الحقيقة المكشوفة التي لا تحتاج إلى تفسير أن الفترة الانتقالية، التي فيها عملية إعادة الجثامين تحدث بشكل بطيء مثير للأعصاب، وبعد انسحاب إسرائيل إلى 53 في المئة من أراضي القطاع، تتمترس حماس بسرعة بقوة السلاح الذي بحوزتها. حماس تنقل إلى أيديها، بالسلطة والصلاحية التي حصلت عليها من ترامب، السيطرة على الأمن الداخلي في القطاع.
في هذه المرحلة، يصعب التوفيق بين التوجيهات الرئاسية، التي حسب أحدها “الحرب انتهت”، في حين أن توجيهاً آخر يهدد “نحن، الولايات المتحدة، سننزع سلاح حماس بالقوة”. بين هذين الطرفين قد يتطور سيناريو يشبه السيناريو في لبنان وسوريا والعراق. في كل دولة من هذه الدول تواصل المليشيات المسلحة عملها وسيطرتها على مناطق في الدولة التي تعمل فيها، رغم أن كل دولة منها وعدت، وحتى تعهدت، بنزع سلاح هذه المليشيات أو دمجها في الجيش الوطني.
في لبنان، ما زال حزب الله يحتفظ بسلاح هجومي ودفاعي خلافاً لاتفاق وقف إطلاق النار. الجيش اللبناني في الواقع بدأ في تفكيك منشآت حزب الله وجمع السلاح في المناطق الواقعة جنوب الليطاني. ولكن عملية جمع السلاح في شمال الليطاني، كما ينص القرار 1701 وقرار الحكومة اللبنانية، بعيدة عن التنفيذ، فأمام الضغط والتهديد الأمريكي، إضافة إلى هجمات إسرائيل، ثمة تخوف في لبنان بحدوث مواجهة عنيفة مع حزب الله تؤول إلى حرب أهلية.
الحكومة اللبنانية تدعي “دفاعاً عن النفس”، بأنه ما دامت إسرائيل تسيطر على خمسة مواقع في الدولة وتهاجم أهدافاً داخل لبنان، فإنها تجد صعوبة في إقناع حزب الله بإلقاء سلاحه. لذلك، تتوسل الحكومة اللبنانية للإدارة الأمريكية للضغط على إسرائيل لتنفيذ شروط اتفاق وقف إطلاق النار بالكامل. وفي غضون ذلك، ما زال حزب الله جزءاً من الحكومة والبرلمان، ويواصل إملاء سياسة الدولة من خلال ذلك.
في سوريا، تعهد نظام أحمد الشرع الجديد بنزع سلاح المليشيات، وحصل على مصادقة الولايات المتحدة لدمجها في الجيش الوطني. والكثير من المليشيات التي حاربت إلى جانب الشرع عندما قادت “هيئة تحرير الشام”، المنظمة التي احتلت قصر الرئاسة لبشار الأسد، وافقت على الاندماج في الجيش الوطني. ولكن العصابات وعشرات المليشيات غير الخاضعة للنظام في سوريا ما زالت تعمل، وهو يواجه تحدياً مهماً: دمج القوات الكردية والمليشيات الدرزية. النظام الحاكم يجري مفاوضات معقدة مع هذه القوات، ولكنها لم تثمر أي نتائج حقيقية حتى الآن، رغم تدخل وضغط الولايات المتحدة وتركيا في قضية الأكراد، وإسرائيل في قضية الدروز.
في العراق، الوضع مشابه. فمنذ أشهر كثيرة، تجري نقاشات حول قانون دمج المليشيات الشيعية في الجيش الوطني، ولكن بدون أي نتائج ملموسة حتى الآن. هذه المليشيات تنتظم في إطار “الحشد الشعبي” الخاضع لوزارة الدفاع العراقية، لكن هذا الخضوع، الذي يضمن لها التمويل من ميزانية الدولة، ما زال يبقي لها هامش عمل مستقلاً في إطار الإخلاص لإيران وسياسيين عراقيين يؤيدون إيران. وهنا أيضاً تجري الولايات المتحدة مفاوضات قاسية ومهددة مع الحكومة العراقية. ولكن مثلما في لبنان، الاعتبارات السياسية والخوف من مواجهات داخلية عنيفة تتغلب على التهديد الأمريكي.
في كل هذه الدول، تبدو المليشيات المسلحة مركباً شرعياً وجزءاً لا يتجزأ من المجتمع والسياسة المحلية. الفرق الرئيسي بين مكانة المليشيات في هذه الدول، والوضع في غزة، هو أنه في لبنان وسوريا والعراق، توجد حكومة معترف بها تستطيع الولايات المتحدة إجراء المفاوضات معها، واستخدام الضغط أو بلورة تفاهمات قد تثمر حلاً متفقاً عليه، أما في غزة لا توجد حكومة، ولا توجد نية لإخضاع القطاع لحكم السلطة الفلسطينية، ولا موعد متفق عليه لبدء نشاطات الإدارة المؤقتة لشؤون غزة، حتى “مجلس السلام” المخطط له بقيادة توني بلير، ليس معروفاً كيف سيشكل “قوة الاستقرار” الدولية.
الواضح أنه عندما يتم تجنيد هذه القوات، لن تستطيع الدخول إلى القطاع للبدء في تطبيق خطة ترامب في حالة اشتعال النار مجدداً بين إسرائيل وحماس. ولضمان “دخول هادئ” لها، تحتاج دول الوساطة إلى إجراء مفاوضات حول ذلك مع حماس، وربما ستضطر الولايات المتحدة إلى إجراء مفاوضات مباشرة معها، ولا جديد في ذلك؛ فسابقة المفاوضات المباشرة بين الولايات المتحدة وحماس، التي أثارت انتقاداً شديداً في شباط عقب محادثات مبعوث ترامب آدم بوهلر مع ممثلي حماس في الدوحة، أصبحت الآن أمراً عادياً بعد التقاء ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر في مصر مع رئيس طاقم المفاوضات في حماس خليل الحية.
يبدو أنه يتوقع إجراء محادثات مباشرة كهذه في المستقبل القريب، لأن الإذن الذي أعطاه ترامب لحماس، العمل كقوة أمنية ولو بشكل مؤقت، يعطي حماس أكثر من مجرد مكانة شرعية: هو يجعلها بالفعل جزءاً لا يتجزأ من إدارة غزة، حتى لو لم تكن حماس شريكة رسمية في الحكومة المدنية. من المهم أيضاً التذكر بأنه مثلما لا يشترط الاتفاق مع لبنان تفكيك حزب الله كمنظمة، فإن خطة ترامب لغزة لا تشترط تفكيك حماس، مع تركها قابلة لأن تصبح حركة سياسية غير مسلحة. لذلك، على إسرائيل الاستعداد لحقيقة أنه مثلما وقع ترامب على اتفاق مع طالبان في أفغانستان، وشرعن المليشيات الإرهابية للشرع، ولا يطالب بتفكيك حزب الله، فإنه قد يعتبر حماس أيضاً منظمة “جديرة” شريطة أن توافق على نزع سلاحها.
تسفي برئيل
هآرتس 16/10/2025