في خضم التوترات المتصاعدة في الشرق الأوسط وتعدد ساحات الصراع الإقليمي، جاء البيان الأول للمبعوث الأميركي الخاص إلى العراق مارك سافايا ليعيد فتح النقاش حول مستقبل الأمن والسيادة في البلاد.
البيان الذي شدد، أمس الجمعة، على ضرورة توحيد القوات المسلحة تحت راية الحكومة المركزية ومنع أي جماعات مسلحة من العمل خارج سلطة الدولة، عكس بوضوح رغبة واشنطن في إعادة ضبط التوازن داخل العراق تحسباً لانعكاسات الصراعات الإقليمية – ولا سيما الإيرانية الإسرائيلية – على استقراره الداخلي.
وسافايا، رجل أعمال أميركي من أصول عراقية (كلدانية/آشورية) عيّنه الرئيس الأميركي دونالد ترمب في 19 تشرين الأول/أكتوبر 2025، أكد أن مهمة بلاده في العراق تقوم على “تحقيق الاستقرار والسيادة والازدهار”، داعياً إلى شراكة وثيقة بين بغداد وأربيل، وإلى عراقٍ يتمتع بـ”سيادة كاملة بعيداً عن التدخلات الخارجية الخبيثة، لا سيما من إيران ووكلائها”.
هذا الموقف يأتي في وقت تتحدث فيه تقارير عبرية عن استعداد فصائل عراقية مدعومة من طهران لهجمات محتملة على إسرائيل، ما يزيد من حساسية الموقف العراقي بين الضغوط الإقليمية والتطلعات الوطنية.
خارطة جديدة
وفي هذا السياق، يرى الخبير الأمني مخلد الدرب، أن الخطوة الأميركية ليست معزولة عن تحولات كبرى تشهدها المنطقة منذ أحداث 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، حين بدأت ملامح إعادة تشكيل اقتصادية وجيوسياسية تظهر بوضوح في الشرق الأوسط.
ويوضح الدرب أنّ “المنطقة تشهد رسماً لخارطة جديدة ترتكز على النظام الاقتصادي العالمي الجديد وممرات الطاقة والموانئ البحرية البديلة عن طريق الحرير”.
ويضيف أن “العراق ليس بمنأى عن هذه التحولات، كونه كان جزءاً من محور المقاومة، ما يسبب إرباكاً للمشروع الأميركي الساعي لترسيخ دعائمه في المنطقة”.
ويعتقد الدرب أن تعيين مبعوث خاص للعراق “ليس قراراً اعتباطياً”، مشيراً إلى أن “الإدارة الأميركية، كما أرسلت مبعوثين إلى غزة ولبنان وإيران، فإنها تريد في العراق تهدئة الأوضاع وترسيخ بيئة مستقرة تحكمها الدولة وليس القوى الموازية”.
ويتوقع أن “المبعوث الجديد سيلعب دوراً محورياً قبيل الانتخابات المقبلة، في محاولة لتحييد النفوذ الإيراني، الأمر الذي قد يجعل من تشكيل الحكومة القادمة عملية معقدة تتطلب تفاهمات جديدة بين الدولة والفصائل المسلحة”.
رؤية موحدة
من جانبه، يبين الباحث في الشؤون الإسرائيلية والأميركية حسين الديك من القدس، أن هناك قراراً أميركياً أوروبياً إسرائيلياً مشتركاً بعدم السماح بوجود كيانات مسلحة خارج سلطة الدولة في الشرق الأوسط، سواء كانت فصائل مقاومة أو منظمات تحمل السلاح خارج الأطر الرسمية.
ويشرح الديك أن هذه الجماعات “نشأت في ظل النفوذ الإيراني في العراق ولبنان واليمن وغزة، لكن واشنطن وحلفاءها قرروا وضع حد لها”.
ويوضح أن “الحالة العراقية تختلف عن بقية الساحات، إذ لا توجد مواجهة مباشرة بين الفصائل العراقية وإسرائيل، ما يجعل إمكانية دمج تلك الجماعات في الجيش العراقي خياراً عملياً”.
ويضيف أن “الولايات المتحدة تراهن على قدرة بغداد في تنظيم العلاقة مع الفصائل، بحيث تصبح هذه القوى جزءاً من المنظومة الأمنية الرسمية وتخضع للقرار السياسي السيادي العراقي”، بينما تعتمد واشنطن في لبنان وفلسطين سياسة مختلفة تقوم على نزع السلاح بالقوة أو الضغط السياسي.
ويشير الباحث إلى أن “لكل من العراق ولبنان وفلسطين خصوصياته، ولا يمكن تطبيق نموذج واحد على هذه الدول الثلاث بسبب الاختلافات الطائفية والمذهبية والسياسية”.
ويشدد على أن “التوجه الأميركي الحالي مخصص للحالة العراقية تحديداً، بوصفها ساحة يمكن فيها ضبط التوازن بين الدولة والفصائل دون صِدام مباشر”.
بين النظرية والتطبيق
أما المحلل السياسي الأردني كمال زغلول، فيرى أن الموقف الأميركي الحالي يعكس مراجعة لسياسة واشنطن منذ حرب عام 2003، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة “أدركت أن تفكيك الجيش العراقي كان خطأً استراتيجياً، وأن التعامل مع الدولة الوطنية أكثر استقراراً من التعامل مع الميليشيات”.
ويضيف زغلول أن “الرئيس ترمب كان منذ ولايته الأولى يتحدث عن دعم الدولة الوطنية والانسحاب من العراق، لكنه أدرك أن ذلك لا يمكن أن يتم دون دمج الفصائل في مؤسسات الدولة”.
ومع ذلك، يحذر زغلول من أن “الدمج القسري لتلك الفصائل غير ممكن، لأن دول الشرق الأوسط تقوم على عقد اجتماعي يجب أن يربط المجتمع بالدولة، وهو ما لا يتحقق بالقوة بل بالتفاهم”.
ويتابع قائلاً، إنه “لم يكن هناك إيمان مشترك بفكرة الدولة الوطنية، فلن تنجح أي رؤية أميركية أو غيرها”، مبيناً أن “نجاح هذه الاستراتيجية يتوقف على صدق النية الأميركية في تحقيق الازدهار والاستقرار وليس السيطرة على الموارد الاقتصادية فقط”.
وخلص زغلول إلى القول: “إذا كانت النوايا الأميركية قائمة على العدالة والتنمية، فإن مشروع دمج الفصائل في الدولة قد ينجح، أما إذا ظل الغطاء رقيقاً يخفي أهدافاً سياسية، فقد ينفجر في أي لحظة مستقبلية، خاصة بعد انتهاء فترة ترمب الرئاسية”.