بغداد ـ «القدس العربي»: في الوقت الذي أعلن فيه خبير اقتصادي عراقي، أمس الأحد، عن حصد شركات الدعاية والإعلان أكثر من ملياري دولار خلال فترة الدعاية الانتخابية للمرشحين المشاركين في الانتخابات الأخيرة، كشف رئيس حزب «نينوى لأهلها» عبد الله حميدي عجيل الياور، عن سباقٍ محموم للمال السياسي في محافظته وشراء الأصوات بطرقٍ مباشرة وغير مباشرة، معتبراً أن «لا فرق بين ديكتاتورية الأمس وديمقراطية اليوم».
شراء أصوات
وقال الياور في بيان صحافي: «لقد كشفت نتائج الانتخابات الأخيرة في نينوى واقعاً مؤسفاً يعرفه الجميع؛ فبدلاً من التنافس بالبرامج والرؤى، تحوّلت العملية الانتخابية لدى بعض الأطراف إلى سباقٍ محموم للمال السياسي وشراء الأصوات بطرقٍ مباشرة وغير مباشرة، وصلت إلى حدّ إجبار بعض المنتسبين على جلب بطاقات انتخابية مقابل المال، وهذا انحراف خطير يضرب أساس العملية الديمقراطية ويُفقد المواطن حقّه الطبيعي في الاختيار الحر».
وزاد: «منذ اللحظة الأولى، تمسّكنا بأن يكون القانون هو الفيصل، ورفضنا ـ بكل وضوح ـ شراء ذمة أي مواطن؛ لأن بيع صوت العراقي يعني بيع كرامته ومستقبل أبنائه، وهذا يتناقض مع مبادئنا ويخالف نهجنا الثابت في مواجهة الفساد والمحسوبية».
ووفق السياسي السنّي فإن «حاجة الناس للطعام، أو الدواء، أو العمل، ليست ورقة ضغط، بل مسؤولية الدولة، لكن بعض المواقع الحسّاسة تحوّلت للأسف إلى غطاء يستخدمه أصحاب النفوذ للتأثير على المواطن وإرغامه بدل أن تكون سنداً وحماية له».
وأضاف: «دخلنا الانتخابات ببرنامج إصلاح واضح، وبرؤية صادقة لخدمة نينوى، واخترنا الطريق الأصعب والأشرف، واليوم، يدرك كثير ممن ابتعدوا عنا في اللحظات الأخيرة تحت ضغط المال أنهم أخطأوا في حق أنفسهم وفي حق مستقبل محافظتهم. أمّا الأحرار الذين ثبتوا معنا رغم كل الضغوط، فنقول لهم: مواقفكم تُسجَّل بمداد الشرف، وأنتم الركن الأساسي الذي يُبنى عليه مشروع الحرية والكرامة، والتأييد الشعبي الواسع الذي لمسناه في الأسابيع الماضية سيبقى دافعاً لنا لنواصل طريقنا بثبات».
واعتبر أنه «لا فرق بين ديكتاتورية الأمس وديمقراطية اليوم إن تحوّلت الديمقراطية إلى واجهة، وصندوق الاقتراع إلى ديكور، والصوت الشعبي إلى سلعة تُشترى وتُباع، عندها يصبح الفرق بين من يفرض إرادته بالقوة، ومن يفرضها بالمال والنفوذ فرقاً في الوسيلة فقط ـ لا في الحقيقة».
وبيّن أن «خسارتنا في الأصوات لا تعني خسارة الطريق، بل تكشف حجم التحديات من فقرٍ وضغطٍ وتجهيل عاشه الناس سنوات طويلة، وسنواصل نهجنا في الدفاع عن الحقوق، وكشف الفساد، والعمل من أجل نينوى قوية، وعراق كريم لجميع أبنائه».
يأتي ذلك في وقتٍ أعلن فيه الخبير الاقتصادي، منار العبيدي، أن شركات الدعاية والإعلان هي الرابح الأكبر من الانتخابات البرلمانية التي شهدها العراق، مشيراً إلى تجاوز حجم الإنفاق الإعلاني على العملية حاجز ثلاثة تريليونات دينار (أكثر من مليارين و292 مليون دولار).
وذكر في «تدوينة» له أنه «بعد انتهاء الانتخابات وظهور نتائجها، يمكن القول إن الرابح الأكبر لم يكن المرشحين فقط، بل شركات الدعاية والإعلان التي غزت الشوارع والمنصّات بأشكال لا حصر لها من الإعلانات» مشيرا الى أن «أكثر من 7000 مرشح خاضوا السباق الانتخابي، وكل منهم استخدم حملات واسعة».
وأضاف: «رغم غياب الأرقام الرسمية، إلا أن حجم الإنفاق الإعلاني يبدو وكأنه تجاوز حاجز 2 ـ 3 ترليون دينار عراقي».
نحو 4 ملايين دولار أُنفقت على الإعلانات السياسية في «فيسبوك»
وتساءل: «هل استفادت الحكومة فعلاً من الضرائب الناتجة عن هذا النشاط الضخم؟ وهل قامت بمحاسبة شركات الإعلان وفق حجم الأعمال المنفذة، وتحققت من صحة البيانات المالية المقدمة لها؟، وهل جرى تعظيم الضرائب والرسوم المستحقة على هذه الشركات بما يضمن دخلاً متكرراً للدولة كل دورتين انتخابيتين، سواء لانتخابات البرلمان أو المجالس المحلية؟ أم أن الدولة اكتفت بتوجيه بوصلة الضرائب نحو المواطن والموظف البسيط، بينما تُترك مليارات الدنانير المتداولة في الحملات الانتخابية خارج دائرة المتابعة؟».
وأكمل كلامه موجهاً السؤال إلى أمانة بغداد والبلديات: «هل استفدتم فعلاً من عوائد الإعلانات التي غطّت الممتلكات العامة كما استفاد المرشحون منها؟ وهل جرى تعظيم موارد الدولة عبر هذا الباب، أم أن سياسة (تعظيم الموارد) تُطبَّق فقط على الموظف الفقير؟».
وطبقاً لبيانات أوردتها «شبكة العراق الرقمي» المختصة في الرصد، فإن أكثر من 5 مليارات دينار (نحو 4 ملايين دولار) أُنفقت على الإعلانات السياسية في «فيسبوك» خلال انتخابات 2025.
وتحدثت الشبكة في تقرير لها أمس عن «قفزة لافتة في حجم الإنفاق السياسي الإعلاني خلال انتخابات البرلمان العراقي لعام 2025» مؤكدة أن «مجموع ما أُنفِق على الإعلانات عبر منصة (فيسبوك) وحدها تجاوز 5 مليارات دينار عراقي، أي ما يمثل زيادة بنسبة 500٪ عن الإنفاق المسجل في انتخابات عام 2021».
وأفادت أيضاً بأن «هذه الأرقام تعكس تحوّل (فيسبوك) إلى ساحة مركزية للتنافس السياسي، بعدما باتت الحملات الانتخابية تعتمد عليه كأداة رئيسية لتوجيه الخطاب واستهداف الناخبين».
وحسب التقرير، تصدّرت العاصمة بغداد قائمة الإنفاق بمبلغٍ «تجاوز 1.5 مليار دينار، توزعت بين صفحات الأحزاب والمرشحين والمنصات الإعلامية التي تبنّت خطاباً سياسياً متنوع الاتجاهات».
وفي المرتبة الثانية جاءت «محافظة نينوى بإنفاقٍ قُدّر بنحو نصف مليار دينار، تلتها السليمانية بحوالي 340 مليون دينار، ثم أربيل بالمبلغ ذاته تقريباً، فيما حلّت ذي قار خامسةً بـ 320 مليون دينار. أما حلبجة فكانت الأقل إنفاقاً، إذ لم يتجاوز حجم الإعلانات السياسية فيها 16 مليون دينار فقط».
وأشار التقرير إلى أن «الإنفاق الإعلاني لم يتوقف حتى خلال فترة الصمت الانتخابي، إذ رصدت الشبكة استمرار نشر الإعلانات السياسية في اليوم السابق للاقتراع العام، بمجموع إنفاق تجاوز 160 مليون دينار على مستوى العراق، معظمها كانت تروّج لمنشورات قديمة أعيد تفعيلها لاستمرار التأثير على جمهور الناخبين».
ووفقاً لبيانات الشبكة «بلغ عدد مستخدمي منصات (فيسبوك) في العراق نحو 21.5 مليون مستخدم، بزيادة تُقدّر بـ 1.1 مليون مستخدم عن العام الماضي، ما جعل المنصة الرقمية أكثر تأثيراً في المزاج الانتخابي».
وسبق أن نشرت الشبكة تقريراً أشارت فيه إلى إنفاقٍ يقارب مليار دينار عراقي على 44 ألف إعلان سياسي خلال الانتخابات البرلمانية السابقة 2021، ما يؤكد استمرار تصاعد الدور الرقمي في تشكيل المشهد السياسي والانتخابي في البلاد.
ويرى فريق التحليل في الشبكة أن الكمّ الكبير من الإنفاق على الإعلانات عبر منصات التواصل الاجتماعي يشير إلى «تغيير عملي في أدوات التأثير الانتخابي إذْ تسمح هذه الاعلانات بإعادة رسم صورة الرأي العام وصياغة أولويات الناخبين».
59 شكوى
يحدث ذلك فيما أعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات أن عدد الشكاوى المسجلة في يومي الاقتراع العام والخاص بلغ 102 شكوى.
وذكر بيان للمفوضية بأن «عدد شكاوى التصويت العام بلغ 59، فيما بلغ عدد شكاوى التصويت الخاص 43» مبيناً أن «قسم الشكاوى والطعون شرع بتصنيفها، وأن أغلبها شكاوى صفراء، والقليل منها خضراء».
وأوضح البيان أن «الشكاوى الصفراء هي التي تفتقر إلى شروطها الشكلية أو الموضوعية، مما يقتضي ردها ابتداءً، أما الشكاوى الخضراء فهي التي تتضمن ادعاء بوجود مخالفات مرتكبة من قبل موظفي المفوضية، أو الادعاء بوجود دعاية انتخابية في يوم الاقتراع، أو تسجيل مخالفة للتعليمات من أحد العناصر الأمنية المكلفين بحماية المركز، من دون أن يكون لها تأثير على نتائج الانتخابات».