واشنطن: يشير وصول حاملة الطائرات الأمريكية “يو إس إس جيرالد آر فورد” إلى قرب السواحل الفنزويلية إلى تصعيد كبير في الضغط العسكري والسياسي على حكومة الرئيس نيكولاس مادورو، ويعكس استعداد واشنطن لإظهار قوة مفرطة قد تمهد لعملية عسكرية أو حصار بحري واسع، خصوصا مع دخول إحدى أقوى حاملات العالم إلى مسرح التوتر في الكاريبي.
هذا ما أكده في تقرير نشرته مجلة ناشونال إنتريست الأمريكية، المحلل العسكري الأمريكي براندون وايكيرت، الذي يقدم استشارات دورية لمؤسسات حكومية ومنظمات خاصة في قضايا الجغرافيا السياسية.
ويقول وايكيرت إنه على الرغم من أن الحاملة فورد تشكل خصما مرعبا بالنسبة لفنزويلا، فإن الحرب الأخيرة قرب اليمن أظهرت أن سفن البحرية الأمريكية بعيدة عن كونها غير قابلة للاختراق.
وفي حرب إطلاق نار مع فنزويلا، لن تكون حاملة الطائرات يو إس إس جيرالد آر فورد (سي في إن 78) مجرد حاملة أخرى. بل إنها تمثل مضاعف قوة هائلا، يعزز بشكل كبير قدرات الأسطول البحري الأمريكي العامل قبالة سواحل الدولة الاشتراكية في أمريكا اللاتينية.
البحرية الأمريكية يجب أن تبقى حذرة من دفاعات فنزويلا
بالطبع، هذا يفترض أن الفنزويليين لم يدمجوا بالكامل صواريخ “كي إتش – 31 إيه” و”كي إتش – 31 إيه دي” الروسية المضادة للسفن، وأن هذه الصواريخ المضادة للسفن ليست عديدة بما يكفي لتهديد سلامة الحاملة فورد بشكل خطير.
ويقول وايكيرت إنه بالنظر إلى الأداء المتواضع للبحرية الأمريكية ضد الحوثيين وصواريخهم البدائية، يخشى المرء مدى سوء سير أي غزو محتمل لفنزويلا إذا كان هذا الغزو يعتمد على حاملة طائرات أمريكية. فمهما بلغت درجة تطور فورد أو مستوى حمايتها، يمكن بسهولة أن تصاب بصاروخ روسي الصنع ينطلق من فنزويلا بالخطأ.
لقد نشرت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الحاملة كرسالة قوة، ولضمان أقصى قدر من النجاح إذا قرر البيت الأبيض تنفيذ الهجوم المقترح على فنزويلا. ومع ذلك، ينبغي الإشارة إلى أنه من بين 23 تكنولوجيا جديدة أصرت وزارة الدفاع على دمجها في فورد دفعة واحدة، بما في ذلك نظام الإقلاع الكهرومغناطيسي “إي إم إيه إل إس” المهم للغاية، ونظام الإيقاف المتطور “إيه إيه جي” عانت معظمها من مشاكل في الأداء.
وتؤكد مصادر في البنتاغون أنها تمكنت من تشغيل نظام “إي إم إيه إل إس”. ومع ذلك، تشير عدة منشورات دفاعية إلى أنه رغم تحسن النظام منذ تركيبه الأولي، فإنه ليس موثوقا بالكامل وفق المعايير الصارمة للبحرية الأمريكية.
ورغم ذلك، أجرت فورد عمليات طيران كاملة باستخدام نظام “إي إم إيه إل إس”في ظروف تشغيلية، مثل تنفيذ عمليات طيران مستمرة في مناطق كبحر الشمال والبحر المتوسط.
علاوة على ذلك، في عام 2022، حقق نظام “إي إم إيه إل إس” إلى جانب (إيه إيه جي) أرقاما قياسية في عدد عمليات الإقلاع والهبوط على متن السفينة، ما يشير إلى الاستخدام الواسع والتكيف الممتاز مع التكنولوجيا من قبل السفينة وطاقمها في الظروف الواقعية.
ويقول وايكيرت إنه مع ذلك، لم تختبر فورد فعليا في وضع قتالي من النوع الذي ستقوده إذا قررت إدارة ترامب مهاجمة نظام نيكولاس مادورو في فنزويلا. ويهدف تصميم “إي إم إيه إل إس” إلى السماح للحاملة بتنفيذ نحو 25% من الطلعات الإضافية يوميا مقارنة بحاملة من فئة نيميتز وبعدد أقل من الطاقم. وعمليا، يعني ذلك المزيد من حزم الضربات، وزيادة كبيرة في دوريات القتال الجوي، ووجودا أكبر للاستخبارات والمراقبة والاستطلاع أو الحرب الإلكترونية في الجو في أي وقت.
وعندما يعمل النظام بشكل صحيح، يوفر لفورد هامشا كهربائيا أكبر بكثير. كما تعتمد السفينة على رادار مزدوج النطاق/نظام الدفاع الذاتي المدمج للسفينة لتقديم وعي أفضل بالوضع وتنسيق الأسلحة الدفاعية “إي إس إس إم” و”آر إيه إم” و”سي آي دبليو إس”، وهذا يفيد في حال تمكنت فنزويلا من استخدام بعض التكتيكات التي استخدمها الحوثيون ضد البحرية الأمريكية. وبالطبع، خلال ذلك الصراع، حرصت واشنطن على إبقاء فورد، الأكثر تطورا والأعلى تكلفة، على الهامش وخارج نطاق الخطر.
وبالمقارنة مع السفن الأخرى المشاركة في الانتشار الأمريكي الحالي في الكاريبي قبالة سواحل فنزويلا، تقدم فورد قدرة هجومية أكبر بكثير. وذلك، مرة أخرى، إذا لم يتمكن الفنزويليون من تحقيق إصابة واحدة أو اثنتين “محظوظتين” على السفينة باستخدام صواريخهم الروسية المضادة للسفن.
وبالمفهوم التقليدي، فإن سلاح الجو الفنزويلي وشبكة دفاعه الجوي محدودان في الحجم والتحديث مقارنة بالأمريكيين. ومن المفترض أن يمنح وجود مجموعة قتالية تقودها فورد تفوقا حاسما للأمريكيين. إذ يمكن لفورد نشر دوريات قتالية جوية مستمرة فوق الكاريبي وقرب المجال الجوي الفنزويلي، باستخدام مقاتلات “سوبر هورنيت” مدعومة بطائرات “إي – 2 دي إس”. ويمكن نشر طائرات غرولورز والذخائر الدقيقة لضرب الرادارات الفنزويلية، ومواقع الصواريخ أرض-جو، ومراكز القيادة والسيطرة. وبالفعل، أمضت القوات الأمريكية على متن الحاملة أياما طويلة في تحديد مواقع تلك الأهداف وتوجيهها والتخطيط لتدميرها فور صدور الأمر.
لا بد أن يشعر مادورو بالقلق من البحرية الأمريكية يقول وايكيرت، إنه إذا كان نظام “إي إم إيه إل إس” يعمل بشكل صحيح، فيمكن للحاملة تدوير عدد أكبر من الطائرات عبر المعركة دون إنهاك الأصول، وهو أمر مهم في حملة جوية تستمر لعدة أيام تحاول فيها الولايات المتحدة قمع الدفاعات الجوية الفنزويلية وإبقاءها خارج الخدمة. وفي الوقت نفسه، ستتمكن الطائرات المحمولة على متن الحاملة والمجهزة لمهام مضادة للسفن وللقصف الدقيق من تدمير السفن القتالية والقوارب الهجومية السريعة. وستكون مروحيات “إم إتش – 60 آر” وسفن المرافقة مثل المدمرات والطرادات المزودة بنظام إيجيس عناصر أساسية لتوفير غطاء إضافي لمجموعة الحاملة القتالية.
وتعتقد واشنطن أنها قادرة على فرض حصار بحري أو ظروف “حجر بحري” بسرعة كبيرة، عبر اعتراض حركة البحرية الفنزويلية والسيطرة على خطوط الإمداد البحرية المؤدية من الكاريبي إلى الساحل الشمالي لفنزويلا.
وبالمعايير العسكرية البحتة، ومع استبعاد العوامل المربكة المذكورة سابقا، فإن وصول حاملة الطائرات “يو إس إس جيرالد آر. فورد” ضد خصم إقليمي متوسط القوة مثل فنزويلا، ينقل ميزان القوة العسكرية من “مناسب جدا” إلى “ساحق تماما”. وهذا ينطبق خصوصا على المجالات الأكثر أهمية في هذا السياق التفوق الجوي والسيطرة البحرية، والضربات الدقيقة.
ويخلص وايكيرت إلى أنه في المجمل، يبدو أن إدارة ترامب تعتزم تنفيذ هجوم، وهي فقط تنتظر لحظة الفرصة القصوى، وتلك اللحظة تقترب بسرعة.
(د ب أ)