بغداد/ تميم الحسن
شغل نوري المالكي، زعيم “ائتلاف دولة القانون”، منصب رئيس الوزراء ثم تراجع عنه قبل أن يعود إليه مجددًا خلال تسع ساعات فقط — خطوة تقول تقديرات سياسية إنها جاءت بهدف قطع الطريق أمام محمد السوداني، رئيس حكومة تصريف الأعمال.
وجاء هذا الارتباك خلال زيارة المالكي لمسعود بارزاني، زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، وهي الأولى التي يجريها زعيم دولة القانون منذ 15 عامًا. واستغلّت الدوائر المحيطة بالمالكي هذا الاجتماع النادر للترويج لرواية تفيد بأن الأخير بات رئيسًا للوزراء للمرة الثالثة.
وفي الأسبوع الماضي، أعلنت أحزاب في “الإطار التنسيقي”، عقب صدور النتائج النهائية للانتخابات، أنها تمثّل “الكتلة الأكبر” داخل البرلمان. وفي بيان صدر بعد اجتماع شارك في لحظاته الأخيرة رئيس حكومة تصريف الأعمال محمد السوداني، كشف التحالف عن تشكيل لجنة مكلّفة باختيار رئيس الوزراء المقبل.
وتتداول وسائل الإعلام أكثر من عشرة أسماء كمرشحين محتملين لخلافة السوداني، من بينهم السوداني نفسه، وزعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، ووزير الداخلية عبد الأمير الشمري.
من جانبها، قررت المحكمة الاتحادية تحويل صلاحيات حكومة السوداني إلى “تصريف الأعمال”، في خطوة يقول محللون إنها تهدف إلى الحد من استغلال موارد الدولة خلال مفاوضات تشكيل الحكومة الجديدة، كما قضت المحكمة بحلّ البرلمان.
والسبت الماضي، أعلن المالكي مغادرته إلى أربيل للقاء زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني، بصفته عضوًا في لجنة التفاوض التي شكّلها التحالف الشيعي لإدارة مباحثات تشكيل الحكومة المقبلة.
وكان آخر لقاء بين المالكي وبارزاني قد جرى في أربيل عام 2010 خلال مفاوضات “اتفاق أربيل” الذي مهّد لتشكيل المالكي حكومته الثانية بعد أشهر من الجمود السياسي. إلا أن الاتفاق لم يُنفَّذ بالكامل، ما فجّر خلافات طويلة بين بغداد وأربيل حول ملف النفط والمناطق “المتنازع عليها”.
رئيس حكومة لساعات!
وأثناء وجود نوري المالكي في أربيل، أعلن حزب الدعوة الإسلامية، بعد وقت قصير من منتصف يوم السبت الماضي، ترشيح أمينه العام لتولي منصب رئيس الوزراء، قبل أن يحذفه مساءً من اليوم نفسه.
وجاء في بيان الحزب أن “أمينه العام نوري المالكي رُشِّح لرئاسة الوزراء”، مشيرًا إلى أنّه “يمتلك الخبرة والقدرة على قيادة البلاد في مرحلة دقيقة تتطلب حكمًا رشيدًا وتوازنًا سياسيًا”.
ومع ظهور مؤشرات من أربيل تفيد بأن لقاء المالكي – بارزاني لم يحسم بعدُ اسم رئيس الوزراء المقبل، قام “حزب الدعوة” بحذف منشور ترشيح نوري المالكي، خلافًا لما روّجت له دوائر “دولة القانون”. ولأسباب غير معروفة، أعاد الحزب نشر البيان مرة أخرى قبل منتصف ليلة السبت الأخير.
المالكي قبل التقاعد
وصفت مصادر شيعية ما حدث بأنه “تخبّط وارتباك” من قبل فريق المالكي، ونقلت لـ(المدى) أن سبب زيارة زعيم دولة القانون إلى أربيل كان لمنع رئيس حكومة تصريف الأعمال محمد السوداني من الحصول على ولاية ثانية، معتبرة أن الرحلة تمثل الفرصة الأخيرة للمالكي للعودة إلى رئاسة الحكومة.
وجاءت زيارة المالكي إلى أربيل بعد أيام من تلميحات السوداني خلال ندوة في الجامعة الأميركية في دهوك، حضرها بارزاني، حول اهتمامه بالحصول على ولاية ثانية باعتباره “هدفًا عامًا وليس مصلحة شخصية”، وفق ما وصفه الأخير.
وردًا على ما نشرته دوائر المالكي بأن اللقاء مع زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني حسم اسم رئيس الوزراء وأن السوداني لن يتولى المنصب، أعلن إياد علاوي، رئيس الوزراء الأسبق وحليف السوداني، ترشيح الأخير لرئاسة الحكومة لولاية ثانية. وفي صيف 2024، تسربت معلومات عن “خارطة طريق” كان المالكي يسعى من خلالها للحصول على ولاية ثانية عبر انتخابات مبكرة، معتمدًا على إمكانية التصالح مع مقتدى الصدر، زعيم التيار الصدري، وهو ما لم يحدث.
وتشير الأوساط الشيعية إلى أن المالكي يرى في الانتخابات المقبلة فرصته الأخيرة قبل التقاعد السياسي، لذا يسعى بكل قوة للبقاء في المشهد.
وفي فترة تشكيل الحكومة عام 2022، قال وزير سابق حضر الاجتماعات إن المالكي اعتبر “اختيار السوداني لمنصب رئيس الوزراء خطأً يستدعي التدخل من جانبه لإدارة البلاد مرة أخرى”. وفي نيسان 2024، صرّح المالكي لإحدى الوكالات المحلية بأنه لن يعود إلى السلطة “إلا إذا أُرغِم على ذلك”، لكن كيف يمكن للمالكي العودة إلى السلطة وهو خلفه سجل ثقيل من الإخفاقات؟
تجيب الأوساط الشيعية، التي تناقش حاليًا أكثر الشخصيات حظوة لتولي رئاسة الحكومة، بأن زعيم دولة القانون يمتلك قدرة عالية على “المناورة والبقاء ضمن المشهد السياسي”، مستفيدًا من “ضعف خصومه وشركائه المحتملين”، وهو ما بدا أنه حاول استثماره خلال زيارته الأخيرة إلى أربيل.
استمرار المشاورات
بدوره أكد كفاح محمود، المستشار الإعلامي لزعيم الحزب الديمقراطي مسعود بارزاني، أن الحوار الذي دار بين بارزاني ونوري المالكي تناول أوضاع العراق بعد الانتخابات، حيث عبّر الطرفان عن ارتياحهما للنجاح الانتخابي ومشاركة أكثر من 50% من الناخبين، وهو تطور نوعي مقارنة بالدورات السابقة.
وأشار محمود إلى أن “المناقشات ركّزت على ضرورة تعاون جميع الكتل لاختيار مرشح لرئاسة الحكومة بالتنسيق مع الإطار التنسيقي، صاحب الكتلة الأكبر، لتشكيل حكومة تنال ثقة جميع الأطراف، وخاصة المكونات الرئيسية: السنية والكردية والشيعية”.
كما تناول اللقاء، بحسب مستشار زعيم الحزب الديمقراطي، المشكلات العالقة بين بغداد وأربيل، مؤكدين أهمية التعامل الجدي مع المناطق الكردستانية خارج إدارة الإقليم والمسماة بالمناطق المتنازع عليها، وتطبيق المادة 140 من الدستور. وجرى كذلك مناقشة تشريع قانون النفط والغاز بما يحفظ حقوق الإقليم والمحافظات المنتجة، إضافة إلى التركيز على ملف الموازنة ورواتب ملايين الموظفين في الإقليم والعمل على إيجاد حلول مستدامة.
وبحسب محمود: “لم يتم التطرق إلى أسماء محددة لرئيس الجمهورية أو البرلمان أو الحكومة، إذ ركز الحديث على استمرار المشاورات”. وأكد محمود أن زيارة المالكي إلى أربيل “ستكون الأولى في سلسلة لقاءات لاحقة تهدف للوصول إلى صيغة تعاون بين الأطراف الرئيسية الفائزة، والتي حصلت على أكبر عدد من الأصوات والمقاعد، وتمثل أربع كتل أو ائتلافات رئيسية.”
وفي السياق ذاته، توقعت مصادر كردية أن الوقت ما يزال مبكرًا لحسم اسم رئيس الوزراء، خصوصًا مع وجود نحو 22 كيانًا داخل الإطار التنسيقي—من بينها الفصائل—تتدافع جميعها على المنصب.
وتساءلت تلك المصادر باستغراب: “كيف يمكن اختيار رئيس وزراء وفق شروط تسرّبت تشير إلى أنه يجب أن يكون بمستوى مدير عام؟ هل سيقبل المالكي بهذا المنصب مثلًا؟”
وكانت تسريبات قد أشارت إلى أن شروط الإطار التنسيقي تشمل ألّا يؤسس رئيس الوزراء حزبًا سياسيًا، وهو شرط لم يلتزم به أي رئيس للحكومة منذ عام 2005، باستثناء مصطفى الكاظمي.