الوثيقة | مشاهدة الموضوع - إذا صدق تقرير “رويترز” المُرعب.. هل ستشهد سورية حربًا أهلية عسكرية في العام الجديد؟ وهل هناك فرصة حقيقية لعودة نظام الأسد؟ ما دور موسكو.. ولماذا ستكون إسرائيل ولبنان وتركيا أكبر المتضررين؟
تغيير حجم الخط     

إذا صدق تقرير “رويترز” المُرعب.. هل ستشهد سورية حربًا أهلية عسكرية في العام الجديد؟ وهل هناك فرصة حقيقية لعودة نظام الأسد؟ ما دور موسكو.. ولماذا ستكون إسرائيل ولبنان وتركيا أكبر المتضررين؟

مشاركة » الأحد ديسمبر 07, 2025 2:34 am

عبد الباري عطوان
بثت وكالة الأنباء العالمية “رويترز” تقريرا مطولا جدا (اكثر من الفين وخمسمئة كلمة على الأقل) عن تحرك يقوم به خمسة اشخاص من أنصار الرئيس السوري بشار الأسد يخططون منذ فترة لانقلاب للإطاحة بالنظام الحالي الذي يتزعمه الرئيس المؤقت احمد الشرع، وإعادة النظام السابق الى الحكم، اذا لم يكن في جميع انحاء سورية، ففي المناطق العلوية في الساحل الشمالي على الأقل.

وقالت الوكالة نقلا عن معلومات يعتقد انها دقيقة جرى تسريبها اليها، ان اللواء كمال حسن رئيس المخابرات العسكرية في عهد الرئيس بشار الأسد، والملياردير رامي مخلوف، ابن خالة الرئيس الأسد يمثلان رأس حربة في هذا المخطط، وينفقان عشرات الملايين من الدولارات لتمويل ميليشيات عسكرية تأتمر بأمرها، وتزودها بالأسلحة ليس في مناطق الساحل السوري العلوية فقط، وانما في لبنان أيضا، وتقدر “رويترز” تعداد المنضمين الى هذه الميليشيات بحوالي 55 الفا تحت راية مخلوف، ومعظمهم من العلويين، و12 الفا آخرين في صفوف ميليشيا كمال حسن، وتقوم شبكة مالية لها مكاتب في موسكو وأبو ظبي ولبنان بالإشراف المالي، وايصال المبالغ المالية للميليشيات المذكورة آنفا.
والمعلومة الأخطر التي لفتت نظرنا ان السيد احمد الشامي محافظ طرطوس الذي نسبت اليه وكالة “رويترز” المعلومات اكد ان هناك 14 غرفة قيادة سرية موجودة تحت الأرض، وعشرات من مخازن الأسلحة السرية التي جرى بناؤها قبل سقوط النظام في الساحل السوري، وان السلطة الحالية في دمشق على دراية بوجودها ومستعدة للتصدي لها، وان الرئيس الشرع كلف خالد الأحمر (العلوي) وصديقه وحليفه وخطط معه لإسقاط النظام ودخول دمشق للتصدي لهذا التحرك الجديد.
لا نستبعد وبحكم خبرتنا الطويلة في عالم الصحافة، ان معظم المعلومات الواردة في هذا التقرير ان لم يكن كلها، مصدرها السيد الشامي محافظ طرطوس الحالي المكلف بحفظ الامن في الساحل السوري ذي الغالية الشيعية، وربما بمشاركة بعض أجهزة مخابرات عالمية أمريكية بالدرجة الأولى.

السؤال الذي يطرح نفسه بقوة عن أسباب هذا التسريب، ولماذا في هذا التوقيت، أي مرور عام على اسقاط نظام الأسد، وما هو دور روسيا التي تستضيف الرجلين في موسكو، علاوة على الرئيس بشار الأسد وشقيقه ماهر الأسد، فالسيد مخلوف يقيم بشكل علني في فندق راديسون الفخم في قلب العاصمة، واطلق العنان لذقنه، وبات متدينا، ويستعين بآيات من القران الكريم في أحاديثه، ويعتبر نفسه المنقذ لسورية وللطائفة العلوية تحديدا، بتكليف رباني.


***


الإجابة المحتملة على جميع هذه التساؤلات يمكن تلخيصها في النقاط التالية:

أولا: الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية والمعيشية في “سورية الجديدة” ليست مطمئنة على الاطلاق، وحالة التذمر في أوساط معظم السوريين، وبعد عام على سقوط النظام في تصاعد، وربما جاء تسريب هذه المعلومات وبهذه التفاصيل يمثل صرخة استغاثة من قبل السلطات الجديدة لحلفائها في الغرب، وامريكا على وجه الخصوص، والتلويح بخطر عودة النظام السابق الوشيكة، وازدياد قوة ميليشياتها.
ثانيا: كل محاولات تقرّب النظام السوري الجديد بدولة الاحتلال الإسرائيلي ومهادنتها، والتأكيد على عدم الرد على انتهاكاتها لحرمة الأراضي السورية، أعطت نتائج عكسية تماما، فالطيران الإسرائيلي شن أكثر من 500 غارة على اهداف سورية من بينها مقر وزارة الدفاع ومبنى هيئة الأركان في قلب دمشق، والأخطر من ذلك احتلال الكيان لمعظم الجنوب السوري وجبل الشيخ، وإقامة مراكز تفتيش على اطراف دمشق، علاوة على خلق الفتنة في مدينة السويداء.
ثالثا: التركيز على الهوية الطائفية العلوية تحديدا هو رد على رفع قادة سورية الجديدة الهوية السنية منذ اليوم الأول لدخول دمشق، وارتكاب بعض المحسوبين عليها مجازر ضد الأقليات في الساحل الشمالي (العلوية) وفي السويداء (الدروز)، واستبعاد كل فصائل المعارضة وقادتها من أي مشاركة في الحكم.
رابعا: إدارة الرئيس دونالد ترامب انحازت بالكامل الى الاستراتيجية الإسرائيلية في كل من سورية ولبنان، ناهيك عن فلسطين في الضفة الغربية وقطاع غزة، بما في ذلك احتلال الجنوب السوري، ودعم الغارات، وذهبت هذه الإدارة الى ما هو ابعد من ذلك، بإرسال طائراتها الحربية لقصف مواقع لجماعات إسلامية سورية تشكل مشروع مقاومة للاحتلال الإسرائيلي، ولم تحتج مطلقا على زيارة نتنياهو ووزيري خارجيته وحربه للجنوب السوري في انتهاك استفزازي للسيادة السورية، وناهيك عن قصف القوات الإسرائيلية ومجازرها في هذا الجنوب وسفوح جبل الشيخ.
خامسا: الموقف الروسي يتّسم بالكثير من الغموض، وربما الازدواجية، أيضا لخدمة المصالح الروسية في المنطقة، فإذا صحّت المعلومات في تقرير وكالة “رويترز” عن تحرّك أنصار الأسد وأقاربه لإطاحة النظام الحالي في دمشق، والسماح لهم بالتحرك، فإن هذا يعني وجود مباركة روسية “غير مباشرة”، وكشف السيد احمد الشامي محافظ طرطوس المسؤول عن الساحل، والقواعد الروسية البحرية في المنطقة، والجوية في (حميميم) أن الرئيس الشرع أثناء زيارته لموسكو اشتكى للرئيس بوتين من تحركات السيدين مخلوف وحسن من الأراضي الروسية لزعزعة استقرار حكومته في دمشق، وطلب ضمانات بعدم تقديم أي مساعدات لهما، ورجال النظام السابق.
سادسا: العلاقات التركية الروسية في ذروة التوتر هذه الأيام لأسباب عديدة بعضها يعود إلى التحرك التركي في سورية دون التنسيق المباشر مع موسكو، وانحيازها بشكل أكبر إلى الجانب الأوكراني، والسماح بضرب ناقلتي نفط روسيتين وتدميرهما من قبل المسيّرات الأوكرانية في مياه مضيق البوسفور، فهل تريد موسكو بالدعم غير المباشر لرجال الأسد إيصال رسالة احتجاج “أولية” لأنقرة”.
سابعا: إقامة أي دولة علوية في الساحل الشمالي، اذا نجحت تحركات الخماسي العلوي المذكور في التقرير، الذي يجمع بين المال والعسكر على أرضية السعي لإطاحة نظام دمشق، سيكون تهديدا مباشرا أيضا لتركيا “السنية” التي أيدت اسقاط النظام في دمشق وساعدته، سياسيا وعسكريا ودبلوماسيا، وعلينا أن نلفت الأنظار إلى وجود ما يتراوح بين 15 ـ 25 مليون من أبناء الطائفة العلوية شرق تركيا.
ثامنا: ليس صحيحا أن الرئيس السابق بشار الأسد استسلم إلى حد كبير لفكرة العيش إلى الأبد في المنفى الروسي، مثلما نقلت وكالة “رويترز” عن مقربين منه، فالمعلومات المتوفرة لدينا من أحد المقربين جدا منه، أنه ما زال يعتبر نفسه الرئيس الشرعي لسورية، ولم يتنازل عن الحكم مطلقا.

***
ختاما نقول إن العام الجديد قد يكون بداية تغييرات كبيرة في سورية ولبنان، بالنظر الى هذه التحركات المتصاعدة و”الطموحة” لأنصار ورجال النظام السابق، والنشاط المتصاعد والمشترك للجماعة الإسلامية والمقاومة اللبنانية في الجنوب السوري ضد الاحتلال الإسرائيلي، وعمليات اختراقاته العسكرية للسيادة السورية، وما يرافقها من مجازر، والتأكيد مثلما جاء على لسان وزير دفاعها يسرائيل كاتس على أن احتلالها لجنوب سورية دائم وأبدي.
لا نستبعد أن تشهد سورية الكبرى حالة غير مسبوقة لفوضى السلاح والصراعات في معظم مناطقها، وإذا تحقّق ذلك فإن دولة الاحتلال الإسرائيلي والولايات المتحدة قد تكونان الأكثر تضررا وسيدفعان ثمنا باهظا لخططهما التدميرية، ومن المؤكد أن ألسنة لهب هذه الفوضى ستصل إلى بعض الدول العربية المجاورة لسورية، وخاصة لبنان والأردن وبعض الدول الخليجية.. والله أعلم.
العناوين الاكثر قراءة









 

العودة إلى المقالات